بدأ القرار بمطالبة المحكمة بإصدار أوامر بإلقاء القبض على قادة حركة "حماس"، السنوار وضيف وهنية، ووجه لهم خمسة اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وثلاثة اتهامات بارتكاب جرائم حرب.
أما من الجانب الصهيوني، فاكتفى رغم دهشة الكثير من القانونيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بتوجيه الاتهامات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت فقط، مستثنيًا رئيس الأركان وكبار المسؤولين العسكريين وقادة الفرق والوحدات التي تمارس الجرائم مباشرةً على الأرض في غزّة.
وبدأ خان بتوجيه أربعة اتهامات لنتنياهو وغالانت بارتكاب جرائم حرب، ثم أورد ثلاثة اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وذلك غالبًا لأنّ اتهامهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية يبدو أثقل وطأة من ارتكاب جرائم حرب.
تم تعيين خان في إطار تفاهم يقوم بمقتضاه بتجميد الاتهامات للولايات المتحدة بارتكاب جرائم حرب في أفغانستان
وبينما تحدّث خان بعواطف جياشة عن لقاءاته مع أُسر الناجين من المستعمرات المحيطة بغزّة قائلًا "سمعتُ كيف أنّ الحب بين أفراد الأسرة، وأعمق الأواصر التي تجمع بين الآباء والأبناء، شوّهتِ بغية إلحاق الألم بالناس بقسوة مدروسة وغلظة مفرطة بشكل لا سبيل لاستيعابه"، لم ترد مثل هذه التعبيرات العاطفية في مواجهة الأعداد الهائلة من ضحايا العدوان الصهيوني في غزّة، ليس فقط الذين استشهدوا من أطفال ونساء وفناء أسر بأكملها، ولكن من ما يقترب من 2 مليون نازح يعيشون منذ ثمانية أشهر في العراء وينتقلون مرارًا وتكرارًا في صور غير إنسانية تدمى لها القلوب نتيجةً لاستمرار القصف العشوائي الصهيوني بلا توقف.
وبينما أوضح خان بما لا يدع مجالًا للشك أنّ "لإسرائيل الحق في اتخاذ إجراءات للدفاع عن سكانها، شأنها في ذلك شأن الدول كلها" فإنه لم يُشر من قريب أو بعيد إلى أنّ ممارسات العدو الصهيوني بحق الفلسطينيين والاحتلال العنصري على مدى 76 عامًا، وجرائم حرب لا تتوقف يحقق فيها مكتبه على الأقل منذ العام 2014، تبرر لغالبية الفلسطينيين ومناصريهم كافة أشكال مقاومة الاحتلال بما في ذلك المقاومة المسلّحة، حالهم حال كل الشعوب التي ناضلت ضد المستعمر الأجنبي.
المدعي العام للمحكمة الجنائية، الذي تم تعيينه في العام 2021 في إطار تفاهم ورضا من الإدارة الأمريكية الحالية يقوم بمقتضاه بتجميد التحقيقات في الاتهامات الموجهة للولايات المتحدة بارتكاب جرائم حرب وتعذيب في أفغانستان بعد احتلالها عام 2001 مقابل إلغاء العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على قضاة المحكمة والعاملين فيها، أفرط في الإشارة إلى مواصلة التحقيق في الاتهامات الموجهة لحركة "حماس" بارتكاب جرائم اغتصاب وعنف جنسي، وهو على دراية أكيدة لكيفية استغلال إسرائيل ومؤيديها لهذه الاتهامات من أجل تشويه المقاومة وتصوير مقاتليها على أنهم مهووسون بالعنف الجنسي حتى وهم وسط معارك ساخنة تلاحقهم فيها طائرات ودبابات جيش الاحتلال.
الاتهامات التي ثبت حتى الآن كذب معظمها وتزييفها بـ"الاعتداء والعنف الجنسي"، فاقت في أهميتها عند خان "القصف واسع النطاق" الذي تسبب في استشهاد أكثر من 36 ألف فلسطيني حتى الآن وتدمير كامل لقطاع غزّة.
ولكن هيهات أن تشفع كل تلك المحاولات لخان من أجل تجنب الغضب العارم من قبل إسرائيل وحلفائها المتعصّبين في الولايات المتحدة أمثال عضو مجلس الشيوخ ليندزي جراهام والذي قال صراحة إنه لو تساهلت واشنطن مع أوامر القبض بحق نتنياهو وغالانت، فإنّ الأوامر التالية ستكون بحق مسؤولين أمريكيين.
يقاوم نتنياهو وقف النار لإدراكه أنّه سيكون بداية النهاية لسقوطه وترسيخ مكانته كمجرم حرب
في لقائه مع "سي أن أن" أقرّ خان أنه تلقى تهديدات مباشرة من مسؤولين غربيين قالوا له إنّ المحكمة تم إنشاؤها لملاحقة القادة الأفارقة و"الشبيحة" من أمثال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكن ليس لحلفاء الولايات المتحدة المدللين وعلى رأسهم إسرائيل.
لكن بعض المراقبين يرون أنه رغم الهجوم الرسمي الأمريكي الكاسح على قرار خان، فإنّ الإدارة الحالية المحبطة من نتنياهو وإهاناته المتواصلة لها وتجاهل مطالبها قد تشعر ببعض التشفي من الضربات المتلاحقة التي طالت الحكومة الإسرائيلية خلال أسبوع واحد فقط، سواء من خلال طلب القبض على نتنياهو وغالانت أو اعتراف ثلاث دول أوروبية نافذة بدولة فلسطين وأخيرًا قرار محكمة العدل الدولية بوقف اجتياح رفح فورًا.
وقد تساهم تلك التطورات في دفع حكومة المجرمين الحالية في تل أبيب للقبول بصفقة تؤدي لوقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي يقاومه نتنياهو بشدة طوال الشهور الثمانية الماضية لإدراكه الجيد أنّ وقف القتال لفترة طويلة سيكون بداية النهاية لسقوطه وترسيخ مكانته كمجرم حرب.
(خاص "عروبة 22")