صدقاً لا أذكر كم مرة كتبت هنا محذراً من مخططات تدور حول مصر بهدف استهدافها، سواء قبل ما عُرف زيفاً بـ«الربيع العربي»، أو بعده؛ وذلك بسبب الحملات المتواصلة، وفي كل حدث، صغير أو كبير، للنيل من مصر، واستقرارها.
اليوم، وبعد حادثة تبادل إطلاق النار على الحدود في رفح بين الجيشين الإسرائيلي والمصري، والتي أودت بحياة رجل أمن مصري، نرى حملة منظمة، ولم تتوقف قطّ، لمحاولة زج مصر في مواجهة مع إسرائيل. وهذه المواجهة التي يسعى خصوم مصر لإحداثها، دائماً ما كانت منصبة على فكرة أساسية جوهرية، وهي دفع مصر لإنهاء معاهدة السلام مع إسرائيل، والسعي مستمر لإحراج القاهرة حول هذه الاتفاقية بالتحريض والطعن، والتخوين.
اللوم ليس على من سعى إلى استقرار مصر، بل على من فرط في سوريا، وحوّلها ساحة إيرانية، ومن دون إطلاق رصاصة على إسرائيل. واللوم على من حوّل لبنان إلى مستودع أسلحة لم ينتج عنها إلا قمع اللبنانيين، وتدمير الدولة خدمةً للمشروع الإيراني. وعليه، فإن على من يريد خدمة فلسطين، والقضية، يجب أن يكون قوياً أولاً داخلياً، في بلاده، سواء مصر، أو السعودية، أو الإمارات، أو الأردن، وليس منهكاً داخلياً ومدمراً مثل سوريا ولبنان، أو العراق.
وعلى ذكر العراق، نشرت صحيفة «النيويورك تايمز» بالأمس قصة عن رغبة العراقيين بمساعدة الفلسطينيين، لكنهم يشكون من أن الحروب أنهكتهم هم أنفسهم طوال أربعين عاماً، وليس بمقدورهم فعل شيء. ونقلت القصة عن نور نافع، وهي عضو بالبرلمان، خيبة أمل الشباب من دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، والغضب من أن إيران والولايات المتحدة تنتهكان سيادة العراق، وهشاشة الاقتصاد العراقي الذي لا يستطيع تحمل الانجرار خلف حرب غزة. وتقول نافع للصحيفة، إن العديد من العراقيين يؤكدون أنه بعد عقود من الحرب بالداخل العراقي، فإنهم الآن يحاولون إعادة ترتيب أمورهم. وتقول: «يقول لي الناس: من فضلك... من فضلك، دعيني أتعامل مع مشاكلي الخاصة أولاً». وهذا طبيعي؛ لأن العراقيين لم يتشافوا من الحروب السابقة، فبعد الغزو الأميركي، وما تبعه، قُتل ما لا يقل عن مائتين واثنين وسبعين ألف عراقي، وفقاً لمشروع تكلفة الحرب بجامعة براون. وبالحرب الإيرانية - العراقية قُتل أكثر من مائتين وخمسين ألف عراقي، وفقاً لتقديرات جامعة نورث كارولينا.
ولذا، فلا يمكن لضعيف جبر مكسور، ولكي ينصر العرب الفلسطينيين فلا بد من أن يكون العرب أقوياء أولاً بدولهم، واقتصادهم، واستقرارهم، ولا بد أن يسود العقل، ومهما حدث، ولذلك نقول: الحذر... إلا مصر.
(الشرق الأوسط)