قضايا العرب

"سجن مفتوح" للصحافيين.. هل ضاع مكسب حرية التعبير في تونس؟

تونس - فاطمة البدري

المشاركة

فشلت الثورة التونسية في تحقيق أهدافها التي قامت من أجلها باستثناء هدف "حرية التعبير" الذي كان المكسب الوحيد منذ سنة 2011، لكن ومنذ إمساك الرئيس قيس سعيد بزمام الأمور وتفرّده بالسلطة في 25 يوليو/تموز 2021 أصبح هذا المكسب مهددًا في ظل تتالي عمليات إيقاف وسجن منتقدي السلطة وخاصة الصحافيين.

تفاقم الوضع في السنتين الأخيرتين، بحيث واجه عدد كبير من الصحافيين السجن والإيقاف بسبب آرائهم سواء أثناء أداء عملهم أو من خلال تدويناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. وتُمارس هذه التضييقات بموجب المرسوم الرئاسي عدد 54 الذي يبدو في ظاهره أنه قد أُرسي بهدف تتبع الجرائم الإلكترونية ولكن الأحداث تؤكد أنه وُضع لضرب كل الأصوات المخالفة للسلطة، ولا سيما الصحافيون.

وكانت محكمة تونسية قد أصدرت في 22 مايو/أيار الجاري حكمًا بسجن إعلاميين معروفين، هما مراد الزغيدي وبرهان بسيس، لمدة سنة على خلفية تصريحات منتقدة للسلطة. ورغم دفاع الإعلاميين خلال جلسة محاكمتهما عن نفسيهما وتأكيدهما على أنّ ما صدر على لسانهما يصب في صلب عملهما الصحفي وأنه لا يتعارض بأي شكل من الأشكال مع القانون، إلا أنّ القضاء أصدر حكمه السجني مثيرًا جدلًا كبيرًا في تونس ومخاوف أكبر خصوصًا في صفوف الصحافيين الذين باتت مواقفهم وآراؤهم المنتقدة للسلطة كفيلة بتعريضهم لتتبعات عدلية وسجن لمدة طويلة.

تجري هذه المحاكمات بموجب المرسوم المثير للجدل 54 الذي أصدره الرئيس قيس سعيد في 13 أيلول/سبتمبر 2022، والذي ينص على "العقاب بالسجن لمدة خمسة أعوام وغرامة تصل إلى خمسين ألف دينار لكل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني".

يقول نقيب الصحافيين التونسيين زياد دبار لـ"عروبة 22": "هناك استهداف واستسهال في إحالة الصحافيين على القضاء وسجنهم بموجب قوانين زجرية دون اعتماد القوانين المنظّمة للمهنة، لا سيما المرسوم 115 الذي اعتُمد بعد الثورة في سنة 2011 ولا ينصّ على عقوبات سالبة للحرية في جرائم النشر"، مشددًا على أنّ "اللجوء إلى المرسوم 54 يمثّل تهديدًا لحرية التعبير في تونس، باعتبار أنّ فصوله حمالة أوجه يمكن تأويلها على أكثر من صعيد للتضييق على حرية التعبير".

وأضاف دبار: "جلّ الصحافيين الذين أحيلوا على المحاكمات بموجب المرسوم 54 مارسوا حقهم في التعبير بحرية عن رأيهم وموقفهم السياسي. وفي ذلك عدم انسجام بين النص القانوني والدستوري الوارد في دستور 2022 وبين ممارسة السلطة التي تعطي مؤشرات بأنها لا تحترم الدستور لا سيما في القضايا المتعلقة بحرية التعبير والإعلام".

وعدا مراد الزغيدي وبرهان بسيس، يقبع عدد آخر من الصحافيين في السجون، أبرزهم الصحافية شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب، فيما غادر منذ فترة قليلة الصحفي خليفة القاسمي بعد أن قضى أشهرًا بالسجن.

الصحافية شذى الحاج مبارك تم سجنها منذ أكثر من ثمانية أشهر على خلفية القضية المعروفة إعلاميًا بـ"أنستالينغو"، بعد حفظ التهم في حقها، وإلغاء بطاقة الإيداع بالسجن وإلغاء منع السفر من قاضي التحقيق في يونيو/حزيران الماضي، لتقوم النيابة العمومية باستئناف القرار بشأنها، على رغم غياب أي مبرر قانوني أو شبهة تدعو إلى إعادة إيقافها، كما يؤكد الفريق القانوني لنقابة الصحافيين التونسيين.

ولدى اتصالنا بـوالدة الصحافية شذى الحاج مبارك قالت لـ"عروبة 22" بمرارة كبيرة: "تعبنا كثيرًا جراء هذه القضية ولم نجد الإجابة الشافية لما يحدث، طالت أيام سجن شذى دون أن تقدّم أية حلول أو تفسيرات واضحة. إنها السنة الثالثة منذ بدء فتح التتبع القضائي ضدها والشهر الثامن منذ أن أودعت السجن، وما زلنا نأمل بتأمين محاكمة عادلة لابنتي. في كل مرة أقول سأعود برفقة ابنتي للمنزل أفاجِأ بقرار التأجيل دون مبرر واضح أو منطقي".

تضيف والدة شذى: "الجميع يدرك مدى مهنية ابنتي وحبها لمهنتها وبلادها ومع ذلك تواجه مصيرًا صعبًا، فبعد أن أودعوها السجن ظلمًا رغم إدراكهم أنّ ذلك يشكّل خطرًا كبيرًا على حالتها الصحية، أكتشف في كل مرة أزورها فيها تفاقم ألم كتفها وفقرات رقبتها، فضلًا عن تبدّد قدرتها على السمع بالكامل، لأنّ الظروف في السجن غير ملائمة لحالتها إذ إنّ البرودة، مهما كانت خفيفة، تضرّ بسمعها (شذى تعاني من قصور في السمع، وهي بصدد العلاج منذ سنوات وتحتاج الى عناية دقيقة)".

أما بالنسبة لمحمد بوغلاب المعروف بانتقاده سياسات الرئيس قيس سعيد، فقد حوكم بالسجن النافذ لمدة 6 أشهر في مارس/آذار الماضي بعدما أدين بتهمة التشهير بموظفة عمومية. علمًا أنّ المحاكمة تمت بسبب طرح الصحفي تساؤلات حول سبب سفر موظفة إلى الخارج برفقة وزير الشؤون الدينية لأكثر من مناسبة، معتبرًا أنّ سفر الموظفة شكل من أشكال "الفساد وهدر المال العام". لتقوم الأخيرة برفع شكاية ضده ويُحاكم بتهمة "الإساءة للموظفة والمس بسمعتها من الناحية الأخلاقية".

أما الصحافي خليفة القاسمي، فقد غادر السجن في بداية مارس/آذار الماضي بعدما نقضت محكمة في تونس حكمًا بسجنه لخمس سنوات، بتهمة إفشاء معلومات عن أجهزة الأمن. وبموجب قانون مكافحة الإرهاب، صدر بحق خليفة القاسمي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 حكم بالسجن لمدة عام ابتدائيًا، ورفعت هذه العقوبة إلى السجن 5 سنوات في الاستئناف. وظلّ القاسمي سجينًا منذ الثالث من سبتمبر/أيلول الماضي حتى تاريخ النقض.

تجدر الإشارة إلى أنه خلال عام ونصف عام، حوكم أكثر من 60 شخصًا، بينهم صحفيون ومحامون ومعارضون للرئيس التونسي، بموجب المرسوم 54، حسب نقابة الصحافيين التونسيين.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن