عندما كانت أنظارُ العالم الإسلامي كلّه تتّجه نحو السّويد التي جاهرت بعداوتها للإسلام من خلال الإصرار على منح المتطرّف الحاقد سلوان موميكا ترخيصًا ثانيًا في ظرف ثلاثة أسابيع لتدنيس نسخة أخرى من القرآن الكريم أمام مقرّ السّفارة العراقيّة بستوكهولم، كانت الدّنمارك تتجاوز السّويد وتمنح لمتطرّفيها رخصة ثانية لارتكاب الجريمة ذاتها أمام السّفارة العراقية بكوبنهاغن مرّتين في ظرف أربعة أيّام فقط!
هذه الجرائم المتتاليّة التي يرتكبها المتطرّفون بحقّ القرآن الكريم في هذين البلدين بترخيص من سلطاتهما وحمايتهما للجناة، تنضح احتقارا وازدراءً لـ57 دولة إسلامية، وتستخفُّ بردودِ أفعالها المندّدة، ولذلك تقف هذه الدّولُ اليوم أمام امتحان حقيقيّ لردّ الاعتبار لنفسها أوّلا، ولإيقاف هذين البلدين المعادين للإسلام عند حدّهما ثانيًّا.
منذ أيام، اتّخذ العراق أوّل خطوةٍ عملية في هذا الاتّجاه من خلال طرد القائمة بالأعمال السّويدية واستدعاء سفيره بستوكهولم، والتّهديد بقطع العلاقات الديبلوماسيّة مع السّويد إذا لم توقف منحَ التراخيص لمتطرّفيها لحرق المصحف الشّريف، فضلا عن قرار تجميد أعمال شركة إيريكسون للاتّصالات على الأراضي العراقية، أمّا البعثة الديبلوماسيّة الدّنماركية فقد غادرت بغداد قبل يومين من حرق نسخةٍ ثانية من المصحف الشّريف بكوبنهاغن، ولعلّ الدّنمارك شعرت بأنّ العراق ستطرد بِعثتَها فسارعت إلى سحبها.
هي أوّلُ خطوةٍ عملية حقيقية إذن يتّخذها بلدٌ إسلاميٌّ نُصرة لكتاب الله، لكنّها غير كافية للتّأثير في مواقف السّويد والدّنمارك التي تسمح بتكرار مثل هذه الجرائم بحقّ مقدّسات المسلمين بذريعة “حرّية التّعبير” المزعومة، ولا بدّ أن تقوم الدّولُ الإسلاميّة جميعا بفرض عقوبات سياسيّة واقتصاديّة على هذين البلدين اللذين تحوّلا – رفقة فرنسا أيضا -إلى مصانع لتغذية موجة التطرّف الأرعن والعنصريّة المقيتة وكراهيّة الإسلام.
منظّمةُ التّعاون الإسلامي ستجتمع قريبًا على مستوى وزراء الخارجيّة بدعوةٍ من العراق، وهي فرصة للدّول الإسلاميّة الـ57 لاتّخاذ قرار جماعي بسحب سفرائها جميعا من السّويد والدّنمارك وطرد سفراء هذين البلدين من عواصمها، فلعلّ هذه الخطوة تردعهما وتدفعهما إلى التفكير في تعديل قانونيهما الداخليّين اللذين يسمحان بتدنيس المقدّسات، وإذا استخفّ البَلدان بهذه الخطوة وواصلا غيَّهما وأصرّا على معاداة الإسلام والاستمرار في ازدرائه وإهانته، فلا مناص من أن تُقرّ الدُّولُ الإسلاميّة عقوباتٍ اقتصادية متدرّجة بحقّهما، كتجميد أعمال شركاتهما، ومقاطعة استيراد بضائعهما، ومنع توريد نفط الدّول الإسلاميّة وغازِها إليهما، كما اقترحنا في عددٍ سابق.
ونعتقد أنّ آثار هذه العقوبات الاقتصاديّة الشّاملة وحرمان هذين البلدين من سوق كبرى يتجاوز عددُ مستهلكيها 1.7 مليار مسلم، كفيلٌ بأن يدفعهما إلى أن يقرّرا وضع حدّ نهائيّ لهذه الجرائم البغيضة التي تستفزّ مشاعر المسلمين، وتُهينهم باسم “حرّية التّعبير” المزعومة التي لا تعترف بحرّية انتقاد الهولوكوست وتمنع حرق علم قوم لوط.
منظّمة التّعاون الإسلامي تقف إذن أمام امتحان حقيقي لنصرة دينها والكفّ عن المراوغات والتّنديدات الفارغة، والمرور إلى الفعل، أمّا إذا اكتفت مجدّدا ببيان تنديدٍ آخر، لتبرئة ذمّتها وامتصاص غضب الشُّعوب الإسلاميّة، فلن يبقى أمام هذه الشّعوب سوى أن تأخذ زمام المبادرة بنفسها وتقاطع البضائع السّويدية والدّنماركية، وأن تستعين في ذلك بتبادل المعلومات عنها في مواقع التّواصل الاجتماعي ونشر قائمةٍ واسعة لها، وليس هناك قوّةٌ تُجبر الشّعوب الإسلاميّة على شراء هذه البضائع إذا قرَّرت أنظمتُها مواصلة استيرادها.
("الشروق" الجزائرية)