يقدّم "الكيمتيون"، وهم غالبًا من أبناء "الكمبوندات" والطبقات الأعلى دخلًا والذين تلقوا تعليمًا أجنبيًا، الأداء الأكثر شوفينية في مصر حاليًا، فهم يتبنون خطابًا أقرب للعنصرية ضد كل ما هو ليس مصري، خصوصًا ضد أبناء القارة الأفريقية والعرب، وفي هذا انسلاخ كامل عن حقائق التاريخ والجغرافيا، كون مصر تقع في أفريقيا ابتداءً، كما أنها جزء من الأمّة العربية بحكم وقائع التاريخ وحقائق الجغرافيا، وأنّ الصلات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية أكبر من أن يتم تجاهلها أو التقليل منها.
تقوم فكرة "الكمايتة" على الاستحقاق غير المبرر الممزوج باحتقار الآخر، وهو هنا العربي والأفريقي، بالتوازي مع الميل الواضح للانسحاق أمام النموذج الأمريكي واقتباس القيم الثقافية منه، لذا ليس غريبًا أن ينقلوا الأفكار العنصرية لليمين الأمريكي الأبيض إلى مصر في نسخته الكيميتية، التي تطالب بأفكار عنصرية غير معقولة، أي نسخ خطاب "أمريكا أولًا" ليصبح "مصر أولًا".
يجد النظام المصري ضالته في هذا الفكر العنصري ويستخدم "الكيميتية" لمناكفة تيارَي العروبة والإسلام السياسي
يرتكز أبناء ذلك التيار على شعارات ضحلة مبنيّة على جهل مفزع وتعسف واضح وعنصرية مقيتة، مثل: طرد العرب (أي عرب؟)، والعودة إلى التحدث بالمصرية القديمة (بغض النظر عن عبثية الفكرة واستحالتها)، والزعم أنّ العامية المصرية هي وريثة الأولى (لاحظ احتفاء هذا التيار باستخدام مسلسل الحشاشين الذي يدور في عصور إسلامية للعامية)، وإنكار أي ميراث حضاري كوّنته مصر بعد انتهاء العصر القديم، أي حذف نحو 2300 سنة من التاريخ المصري!
وجد هذا التيار بُغيته في خلق عدو في صورة المركزية الأفريقية "الأفروسنتريك"، وبغض النظر عن حقيقة هذه الحركة ومراميها وأبعادها، إلا أنّ رد فعل الكمايتة لم يتجاوز الصراخ والهيستريا والشوفينية والعنصرية التي تعكس استعلاءً على اللون الأسود للبشرة، بأكثر من حمله أي خطاب معرفي ونقدي، ليصل في النهاية لتبني مقولات التفوق العرقي للمصريين أبناء البشرة "القمحية"! بطبيعة الحال لا نصل لهذه النتيجة المتخيّلة إلا عبر الإطاحة بالمكوّن العربي ومعاداة مصطنعة للفصحى، وحذف حقائق تاريخية عن التنوع العرقي للمصريين منذ قديم الأزل، مع تبني خرافة نقاء العرق المصري.
أحد تجليات الفاشية اليمينية في حالتها "الكيميتية" البائسة هو الهجوم على الجنسيات العربية التي تتواجد في مصر، فرفض اللاجئين وضيوف مصر جزء من ثقافة "الكمايتة" المرعوبة من الانفتاح على الآخر، هي تعرّف نفسها باعتناق وهم النقاء العرقي، وأنّ مصر حقيقة خارج السياق التاريخي أو متعالية عليه، ويكرّسون لعزلة غير مجيدة تسير عكس التجربة التاريخية لمصر التي لم تعرف نهضة إلا بالاشتباك والتواصل مع محيطها الجغرافي في كافة محطاتها، لا غرابة إذن أن نجد هذا الخطاب ينمو في بيئة "الكمبوندات" المعزولة عن بقية الشعب المصري.
يساعد "الكمايتة" في بناء فاشية مصرية تستند إلى قومية عنصرية متخيّلة
من جهته، يجد النظام المصري الحاكم ضالته في مثل هذا الفكر العنصري لأنه يبرر أداء الانكفاء السياسي، وغياب الرؤية الاستراتيجية للأمن المصري المرتبط بالمحيط العربي والأفريقي، ومن ناحية ثانية يستخدم الهوية "الكيميتية" كمحاولة لمناكفة تيارَي العروبة والإسلام السياسي، حيث يتركز الجانب الأكبر من معارضي سياسات النظام المصري، لذا يستثمر في هذا التيار عبر تقديم مادة تغذيه بالمشاركة في احتفال موكب نقل المومياوات الملكية (أبريل 2021)، والذي ألقيت فيه أغنية بما قيل إنها اللغة المصرية القديمة، وإلغاء حفلات لفنانين عالميين وفعاليات دولية استجابةً لمطالب "الكيميتيين".
ويساعد "الكمايتة" - الذين لا يترددون في تقديم الدعم اللا محدود للنظام في كل قراراته بل يزايدون عليه في ملفات بعينها مثل مطلب طرد اللاجئين - في بناء فاشية مصرية تستند إلى قومية عنصرية متخيّلة تقدّس الدولة في صورة النظام ولا تعترف بحق معارضته، ومن هنا السبب الخفي لترحيب النظام المصري بهذا التيار، لأنه في جوهره يقدّس الدولة المصرية ونظامها، ويعتبر المعارضة خيانة تستحق العقاب، أي أنّ هذا التيار يدعو لتبني النظام المزيد من الفاشية باسم القومية المصرية المتوهمة ضد المعارضين واللاجئين على حد سواء، وفي هذا خصم إضافي لرصيد مصر التي بحكم تجربتها التاريخية بنت التنوّع وقبول الآخر.
(خاص "عروبة 22")