صحافة

عندما "تحالف الفاتيكان والكرملين" في انتخابات جامعة الخرطوم

صديق الزيلعي

المشاركة
عندما

تميّزت انتخابات جامعة الخرطوم، تاريخيًا، بحدة الصراع السياسي، بين المعسكرات الطلابية، المتنافسة للسيطرة على قيادة الاتحاد. كانت المكانة الوطنية المتميزة لطلاب جامعة الخرطوم واتحادهم، هي السبب الأهم في التنافس السياسي، والذي تشرف عليه مباشرة قيادات الأحزاب على المستوى القومي. أكثر الاحزاب التي تهتم بهذه الانتخابات، هي تنظيم الاسلامويين السودانيين. بنى الترابي مشروعه للسيطرة على السودان، على تلك الكوادر، التي رباها ورعاها، من خلال مؤسسة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم. لذلك كان يهتم، بشدة، بكل ما يجري في الجامعة، ويصدر التوجيهات التفصيلية لكوادره بالجامعة.

كانت الجبهة الديمقراطية لطلاب جامعة الخرطوم هي التنظيم الوحيد الذي ينافس الاسلامويين، في كل الانتخابات التي تمت. بدأ ذلك التنافس الثنائي، منذ تغيير نظام الانتخابات من التمثيل النسبي، للحر المباشر، في عام 1973، بانقلاب فوقي من الاسلامويين. ورغم فوز الاسلامويين في كل الدورات الانتخابية، لم تتراجع الجبهة الديمقراطية عن خوض الانتخابات ضدهم.

سعت الجبهة الديمقراطية، منذ بداية عام 1979، في الاتصال، الدؤوب، ببقية التنظيمات الطلابية، بهدف بناء تحالف جبهوي. كانت المفاوضات مرهقة وطويلة، تميزت بالصعود والهبوط. اهم الصعاب رفض رابطة الفكر الجمهوري، التام، للعمل السياسي الجبهوي. اما أحزاب الامة والاتحادي، فكان لها تحفظ في التحالف مع الشيوعيين. استمرت الحوارات لفترات طويلة، تكللت بقيام تحالف ضم ثماني تنظيمات طلابية. تم تسمية التحالف الانتخابي الجديد بقوى التمثيل النسبي. الهدف الأساسي للتحالف هو ارجاع دستور التمثيل النسبي، الذي تم إنجازه في 1957، بمشاركة كل التنظيمات، الموجودة آنذاك. شارك الاتجاه الإسلامي، اسم الاسلامويين آنذاك، في كل الانتخابات التي تمت. تركيبة الاتحاد كانت ديمقراطية، حقا، حيث ينال كل تنظيم مقاعد في مجلس الاتحاد واللجنة التنفيذية، حسب حجم الأصوات التي نالها، في الانتخابات.

أدي فشل انقلاب 19 يوليو 1971، لتحولات كبيرة في الواقع السياسي الوطني والطلابي. قام نميري بمجازر للشيوعيين، في معسكر الشجرة. وتم اعتقال أكثر من 9 ألف مواطن، من كل مدن السودان، ومن ضمنهم عدد كبير من الطلاب الجامعيين. أتاح ذلك التحول، فرصة تاريخية، لتنظيم الاتجاه الإسلامي، ليحتكر الساحة الجامعية، بسبب ابعاد خصمه الأساسي، بالاعتقال والمطاردة والحملة الإعلامية الضخمة لتشوية صورته. قام الاسلامويين بانقلاب بتغيير دستور اتحاد الطلاب لما يسمى بالحر المناسب، حيث يحتكر تنظيم واحد كل مقاعد الاتحاد، لأنه نال اعلى الأصوات، حتى لو كانت اقل من 50% من أصوات المشاركين في الانتخابات. ويمكن ان ينال تنظيم واحد كل مقاعد الاتحاد بأصوات ثلت طلاب الجامعة، كما حدث لأكثر من مرة.

مشروع الترابي للسيطرة على السودان، آنذاك، كان يعتمد على طلاب الجامعة. التنظيم الاسلاموي كانت تنظيما طلابيا بحتا. قيام تحالف التمثيل النسبي، هدد احتكار الاسلامويين، لاتحاد الطلاب، واستغلاله لصالح التنظيم. صار تنظيم الاسلامويين يستخدم كل الوسائل لفركشة تحالف التمثيل النسبي. وتمت عشرات الاتصالات، بالتنظيمات المشاركة في التحالف، لإبعادها عن العمل مع الجبهة الديمقراطية. فشلت كل تلك المحاولات، فشل ذريعا، بسبب معرفة التنظيمات بممارسات الاسلامويين، ودكتاتوريتهم، واستغلالهم اتحاد الطلاب في اغراضهم الخاصة.

كنت اسكن في غرفة بداخليات الجامعة اسمها 17 الرهد. وكانت كل اجتماعات قوى التمثيل النسبي تتم في تلك الغرفة. شاركني في الغرفة الزميل والصديق يوسف احمد آدم، الشهير باسم سوس، وهو مناضل صلب وشاعر ومبدع. تحولت الغرفة للهدف الأساسي لهجمات الاسلامويين، بل كان يتم مراقبتها لمعرفة من يدخل اليها ومن يخرج منها. ابتدع الاسلامويين فرية، مضحكة، بان هنا اتصال مباشر بقيادة الدولة السوفيتية، بالكرملين في موسكو. وادعت صحيفة آخر لحظة الحائطية، لسان حال الاسلامويين بالجامعة، وجود الاتصال المنتظم بالكرملين، لتلقي التوجيهات. أخرج الصديق سوس عددا من النكات الساخرة حول اتصالات الكرملين بالغرفة 17 الرهد. تواصلت اجتماعاتنا وندواتنا في اركان الجامعة الأربعة.

تميزت الجامعة بوجود معتبر من الطلاب الاقباط. اشتهر هؤلاء الطلاب بالبعد عن النشاط السياسي، بل ان اغلبهم كان يسكن خارج الجامعة ويحضر للاستماع للمحاضرات. خططنا لإقناع هؤلاء الطلاب بأهمية المشاركة. كانت نتيجة الحوارات هي تمسك الطلاب الاقباط بعدم المشاركة، ولكنهم وعدوا بالتصويت للقائمة الموحدة. جن جنون الاسلامويين، وشعروا باقتراب الهزيمة. وهنا تفتقت عبقرية الاسلامويين عن فرية جديدة ومضحكة في آن واحد. ونشروا بكثافة ان الفاتكان قام باتصالات مع قوى التمثيل النسبي، وصار متابعا لصيقا للانتخابات الطلابية. المعروف ان الاقباط لا يتبعون دينيا للفاتيكان، وهذا أمر يكشف جهل الاخوان بالأديان الأخرى. لكن المضحك ان الكرملين والفاتيكان صارا ينسقان لإسقاط تنظيم طلابي في جامعة افريقية، رغم مشاغلهما، المتعددة، على المستوى العالمي.

خلاصة هذا المقال، ان الاسلامويين لا يتورعون عن فبركة حقائق ويعملون ليل نهار لاستخدام الاعلام لخداع الناس. الآن بعد انتشار السوسيال ميديا، توسع نشاطهم للفبركة والكذب ونشر المعلومات المغلوطة، الذي تقوده حاليا الكتيبة الالكترونية. لكن ذكاء شعب ديسمبر أكبر من فبركاتهم، وآخرها ما سمي بمعركة الكرامة، لتبرير حربهم الحالية.

("التغيير") السودانية

يتم التصفح الآن