لاحت أكثر من مرة خلال الشهرين الماضيين فرص لإنهاء الحرب في غزة تأسيساً على المفاوضات بين طرفيها المباشرين: حركة حماس وإسرائيل، بدفع من الوساطة الأمريكية القطرية المصرية. ورغم ذلك، ورغم تصدي الرئيس الأمريكي جو بايدن بنفسه لطرح مبادرة سلام، وترحيب دول عدة بها، فإن الأمر لا يزال على حاله، بل مرشح للتفاقم، ومن جبهة جديدة هي لبنان.
أحد المخاوف التي رافقت اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان تمددها إلى خارج القطاع، بحيث تفضي إلى انخراط طرف إقليمي أو أكثر في المواجهة، وبالتالي تفجير المنطقة كاملة ودفعها إلى سيناريوهات خطرة.
الآن، وبعد أن بلغت خسائر الحرب لطرفيها حداً كبيراً من الفداحة، وبدلاً من الاقتراب من نهاية، يعلن أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، عن أمله ألا تتحول لبنان إلى غزة أخرى، في إشارة إلى احتمالات تطل برأسها لاندلاع مواجهة مباشرة بين «حزب الله» وإسرائيل في ضوء التصعيد المتبادل بينهما منذ أيام.
المسؤول الأممي الأول الذي خسرت منظمته ومؤسساتها المواجهة مع إسرائيل في غزة ولم تستطع أن توقف توسع مأساتها، لا يملك إلا التحذير والتعبير عن القلق من هذا التصعيد ومآلاته.
«كأن حرباً باتت وشيكة».. هذا ما يستخلصه أنطونيو غوتيريش، وربما هذا ما يشاركه فيه ساسة في المنطقة وخارجها، وخروج دبلوماسيين أجانب من لبنان، وتحذيرات دول رعاياها من الذهاب إليه.
وما يلفت النظر أن التحذير في تصريحات غوتيريش من أن يتحول لبنان، وليس جنوبه معقل «حزب الله»، إلى غزة أخرى، أي أن المواجهة الوشيكة ستكون بين الوطن اللبناني كله وإسرائيل، ما يعني أنها ستوسع مساحات استهدافها كما حذرت قبل ذلك واضعةً بيروت في مقدمة الأهداف.
إذا حدثت المواجهة التي لا يتمناها أحد، سنكون أمام إشكالية كتلك التي ظهرت في غزة وتلخصت في التساؤل: هل «حماس» تمثل الشعب الفلسطيني؟ وهل مبادرتها بالهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول كانت قراراً فلسطينياً جماعياً، ليس على مستوى الفصائل فحسب، بل أيضاً في ما يتعلق بجناحي الحركة السياسي والعسكري؟ أي أن اللبنانيين المرشحين لدفع الثمن، وهو أن يتحول وطنهم، لا قدّر الله، إلى غزة أخرى، قد يساقون إلى حرب يسعى إليها «حزب الله» وحده متكئاً على حسابات تخصه وترتبط فقط بولاءاته، ما يعني مزيداً من التدمير للبنان.
إسرائيل لعبت على هذا الجانب منذ بدء الحرب في غزة في كل تحذيراتها للحزب، مهددة اللبنانيين كلهم بأي رد فعل، وقد يكون في ذلك محاولة للهرب من فتح جبهة أخرى تضاعف خسائرها السياسية والعسكرية بالنظر إلى ما يروج عن اختلاف القدرات بين «حماس» و«حزب الله» والحديث عن ترسانته العسكرية المتطورة وقدراته الاستخباراتية التي استعرض بعضها أخيراً.
رغم القلق، يبدو أن كل الأطراف لا تريد المواجهة، وأن «غزة الأخرى» ستبقى مجرد تحذير حتى تتوقف مأساة غزة الأولى.
("الخليج") الإماراتية