كشفت القمة الروسية الأفريقية، التي أقيمت في مدينة سانت بيترسبورغ، حقيقة خطورة الزلزال الذي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الغربيين، عندما حاولت بكل ما أوتيت من قوة، وبالتهديد، منع الدول الأفريقية وزعمائها من التوجه إلى روسيا..
وإبرام هذا العدد الكبير من الاتفاقيات، إذ شاركت تسع وأربعون دولة، وحضر سبعة عشر زعيمًا إفريقيًّا من بينهم رؤساء مصر وجنوب إفريقيا وزيمبابوي وجزر القمر ورئيس وزراء إثيوبيا وغيرهم، وأشار الناطق الرسمي باسم الكرملين إلى الضغوط التي تعرضت لها العديد من بلدان القارة الإفريقية لمنع تقاربها مع روسيا، بلغت حدّ التهديد، ولكن العقل وحتى البطن اقتنعا بأن البقاء مع الغرب، هو قبول بالتبعية، بل والعبودية لكتلة مازوشية، لا تحلو لها الحياة إلا في معاناة الآخرين.
ومن خلال كلمة الرئيس الروسي الذي تحدَّث عن أهم مادة غذائية وهي القمح الذي تفتقده بعض الشعوب الأفريقية، وتعريجه على المناطق الصناعية في القارة غير الصناعية، تبيّن بوضوح بأنه مع كل خطوة روسية إلى الأمام باتجاه أفريقيا، هناك خطوة أخرى مع أمريكا وحلفائها ولكن إلى الخلف.
وعندما نعلم بأن روسيا قدّمت في السنة الماضية فقط أكثر من 11 مليون طن من القمح مساعدات غذائية لأفريقيا، ولم يقدِّم الغرب سوى الوعيد والتهديد، ندرك لماذا اتفق الأفارقة هذه المرة على تغيير أصدقائهم مع إصرار وترصُّد، وحتى اعتراف علني أمام الملأ.
عندما زار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون روسيا من أجل إقامة شراكة اقتصادية إستراتيجية، تُخرج الجزائر من قبضة الذين يزعمون امتلاكهم للماء والهواء، (...) أسّست الخطوة الجزائرية، لتحدي حياتي جديد، يفرض على الأفارقة البحث عن مصالحهم الخاصة، ولـ”تَخبَط” أي دولة عظيمة رأسها “العظيم” في أعظم صخرة.
بكثير من الإعجاب، تابع العالم تلك اللقاءات بين مسؤولين روس ورئيسهم بجموع المسئولين الأفارقة، إذ طغت التلقائية والطرافة على لقاء نقل الرعب إلى جهة الغرب، الذي ظن أنه باستطاعته إشراق الشمس من الغرب، وبكثير من الواقعية اتضحت الصورة الحالية والمستقبلية للمعمورة، ونهاية حقبة أليمة، وصلت إلى درجة أن تحوّلت أمريكا في بداية الألفية إلى قاضي ووكيل جمهورية ومحامي المتهم والضحية في آن واحد، وناطقة بالحكم في عدد من القضايا وعلى رأسها ما حدث في العراق، عندما قدّمت دليلا مزوَّرا عن امتلاك العراق لأسلحة محرّمة، ونفذت غزوها غير الشرعي للبلاد بمساعدة 45 دولة، وتم تخريب العراق وقتل شرفائه وعلمائه بجنود بقية بلدان العالم وأمواله.
ما حدث في مدينة سانت بيترسبورغ، هو صيحة حياة، وربما نهاية هؤلاء الذين أرادوا أن لا تكون الحياة إلا بإذنهم!
("الشروق" الجزائرية)