ما يجرى في جنوب لبنان وشمال إسرائيل بكل المقاييس هو صراع غير مسبوق، لا يمكن أن يستمر طويلا ولا أحد يتوقع نهايته كما أنه لا يرقى إلى تصنيف الحرب ولا يندرج تحت العمليات المحدودة فهو صراع مسلح يجري على مدار الساعة يمكن تسميته حرب استنزاف بين الجانبين، وكل طرف يريد أن يحقق أعلى قدر من الخسائر في الطرف الآخر دون أن تكون هناك حالة تأهب كبرى بين صفوف الجيش الإسرائيلي وعناصر حزب الله.
هذا مجرد توصيف للمشهد المتكرر منذ السابع من شهر أكتوبر الماضي على الحدود بين لبنان وإسرائيل، وحزب الله كل يوم ينعى شهداء سقطوا جراء الضربات الإسرائيلية، كما يعلن خسائر مادية وبشرية ألحقها بالعدو الإسرائيلي، في الوقت الذى تتكتم فيه تل أبيب عن حجم خسائرها على الجبهة الشمالية مع الحزب، وتلوح طوال الوقت بأنها ستخوض حربا شاملة ضد حزب الله في لبنان وستكون حاسمة، وهو تهديد تكرر على مدى الشهور الماضية لكنه يبقى في حدود التهديد بسبب الحسابات المعقدة التي تحيط بالقرار والخوف من صواريخ الحزب ومسيّراته.
قد تطول مرحلة الاستنزاف، وتستمر طالما هي في حدود ما تعتبره إسرائيل مجرد استهدافات لا تخترق العمق وورقة تستخدمها في الترويج مع الولايات المتحدة والغرب. بدوره حزب الله لا يريد الدخول في حرب موسعة مع إسرائيل وحساباته في ذلك أن لبنان منهك اقتصاديا وأن القوى الداخلية ليست على قلب رجل واحد والأهم أنه لا يتمنى أن يتحمل وزر تدمير إسرائيل المرافق الكبرى في لبنان بما فيها المطار ومحطات الوقود والجسور ومنازل سكان الجنوب.
إسرائيل أيضا لا ترغب في توسيع قاعدة الحرب مع حزب الله فهي تخشى من ترسانته الصاروخية التي ستضرب العمق الإسرائيلي وتصبح جميع الأهداف داخل إسرائيل بنك أهداف محتملا لضربات الحزب. الهاجس لدى الحزب والحذر لدى إسرائيل هما ولا غيرهما يؤجلان الحرب الموسعة إلى حين، والسؤال هل معنى ذلك أن نذر الحرب غير قائمة؟ الإجابة أبسط من كل شيء من الوارد أن تبدأ الحرب في لمح البصر بعد أن ينفد صبر طرف منهما ويشن هجوما موسعا بعيدا عن الحسابات الواقعية حتى يكسر حاجز الصمت ويفجر الوضع.
في أدبيات الصراع بين إسرائيل وحزب الله هناك وثيقة مكتوبة على لسان السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله ويراها كل زائر متحف ميليتا في جنوب لبنان والذي يبعد بضعة كيلومترات عن إسرائيل وتضم 10 نقاط وضعها الحزب في المواجهة مع إسرائيل الأولى في حال ضربت إسرائيل مطار رفيق الحريري الدولي سيضرب الحزب مطار بن جوريون ومحطات الكهرباء بالمثل الموانئ بالمثل الجسور محطات المياه وغيرها هذه الوثيقة تضعها إسرائيل في خانة الأمر الشديد الخطورة ولهذا تفكر طويلا قبل الحرب الشاملة مع لبنان.
لكن متى ينفجر الوضع في الجنوب اللبناني؟ في داخل لبنان الجميع يتوقع نشوب الحرب في أي وقت وهناك مبررات عديدة يمكن أن يسردها لك أي مواطن لبناني منها أن إسرائيل لم تعد قادرة على ضبط النفس مع الحزب وأنها تريد اختبار مدى صحة قدرته العسكرية وأنها لن تنام بشكل مطمئن وهاجس القدرة العسكرية التي يتمتع بها الحزب في مواجهة إسرائيل وغيرها من المبررات، في الوقت نفسه الحزب يسقط منه شهداء كل يوم وهناك ضربات مؤلمة وجهتها إسرائيل لقواعده ويرى أن الفرصة سانحة للانتقام لكنه يراجع الحسابات ويخشى من أن يكون السبب في تدمير لبنان.
الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الإسرائيلي إلى واشنطن هي لمراجعة الموقف قبل القرار الأخير من زوايا عديدة منها معرفة ما اذا كانت أمريكا تسهم في تطوير نظام القبة الحديدية للتصدي لصواريخ الحزب ومدى قدرة إسرائيل على امتصاص هذه الضربات، بجانب الحصول على أسلحة ذكية تستخدمها في ضربات أهداف مؤثرة في لبنان.
حزب الله يتعامل مع السيناريو الأصعب وهو الحرب ولهذا لا يطالب به ويتمنى عدم حدوثه لكنه يضعه في المكان الصحيح وربما كان القرار المفاجئ لجامعة الدول العربية بعدم تصنيف الحزب بأنه جماعة إرهابية هو دفعة للحزب في مواجهة ما ينتظره.
("الأهرام") المصرية