يتردد الآن اسم العالم العربي، باعتباره جزءاً من خريطة أوسع نطاقاً، وفي ظروف تنبئ بعالم يتغير، ولأن المنطقة العربية تتلامس مع أكثر البقاع قرباً منها وهي آسيا. وهي المنطقة التي سبق أن توقّع كثير من الخبراء ومنهم هنري كيسنجر منذ 15 عاماً، أن ينتقل إليها مركز الجاذبية والتأثير العالمي من الغرب إلى آسيا.
وعلى ضوء الواقع العالمي الحالي، والذي دفعت حرب أوكرانيا إلى النظر إليها بصورة شاملة، ليست فقط كصدام عسكري، بل كتنافس على النفوذ على العالم بشكل عام، تطلّعاً إلى استمرارية النفوذ الغربي، وما عرف باستراتيجية الهيمنة. من ثم تتابعت حلقات النقاش بين الخبراء المتخصصين في هذا الميدان، والتي طرحت فيها توقعاتهم بالتغيير الذي سيحدث في موازين القوى، والنفوذ في العالم والذي بدأت تظهر بوادره، بإعراض دول عديدة عن السلوك التقليدي الذي استمر لسنين طويلة، من التحيز لوجهة نظر الغرب أيا كانت.
هؤلاء الخبراء طرحوا مؤخراً هذه التساؤلات:
- ما الذي سيتغير في موازين القوة والنفوذ في العالم؟
- ما هي مصادر القوة المستحدثة لدول إقليمية، بما يدفعها لتشكيل تكتلات إقليمية، سواء بدافع انتماءاتها القومية المشتركة، أو بحكم الجوار.
واستقرت المناقشات على توافق بأن العالم ينتقل إلى عصر له قواعد عمل ذات خصوصية، تعبر عن ظروف دوله. وأن الثبات على أفكار ونظريات سياسية، وأساليب عمل تقليدية تنتمي إلى عصر مضى، سيكون قيداً على نمو وتقدم هذه الدول في عصر يقوم على التنافس.
وأشاروا إلى أن منظومة التكامل الإقليمي هي التي ستعزز قدرات دولها، بالنسبة لإنعاش قوتها الناعمة، بما يتوافر لها من وسائل الجاذبية، من الفنون على اختلافها، شاملة الأدب، والمسرح، وإبهار السينما، والبحوث والكشوف العلمية، التي تجعل منها قوة قادرة على المنافسة عالمياً.
وإذا كان هناك تشكيك في قدرة الصين على نقل مركز الجاذبية، إلى آسيا، وبالتكامل مع آخرين، فإن وزارة الدفاع الأمريكية سبق لها إصدار تقرير في عام 2003، يتوقع أن تصل الصين خلال عشرين عاماً إلى مرتبة تكون فيها متعادلة في القوة مع الولايات المتحدة.
وطبقاً لرؤية مراكز غربية متخصصة في الشؤون الآسيوية، فإن صعود آسيا مجتمعة سيحدث تحولاً في العالم بكافة أرجائه. وهو ما أحدثه صعود الغرب في حقبة زمنية سابقة.
وهناك مؤرخون اعتبروا أن التحول من الغرب إلى الشرق، سيجرى تطبيقاً لقاعدة الدورة التاريخية التي سبق أن انتقلت بها الحضارة من الشرق إلى الغرب، وتنوعت تفسيرات المؤرخين، باتخاذهم انهيار الإمبراطورية الرومانية نموذجاً لدراساتهم، وقالوا إن الانهيار سببه الغطرسة، التي ولّدها الشعور المبالغ فيه بالعظمة.
بينما يرى مؤرخون آخرون مثل البريطاني أرنولد توينبي، أن التراجع في مثل حالة الإمبراطورية الرومانية، يرجع إلى استشراء الفساد والضعف في مؤسسات الدولة.
والبحوث المشار إليها استخلصت النتائج التي اتفقت عليها جهود استمرت خمس سنوات. وكان موضوعها الأساسي بعنوان تضاؤل القوة النسبية للولايات المتحدة. وهو نفس ما أقرّ به مركز المجلس الوطني الأمريكي لشؤون المخابرات، في تقرير عنوانه «اتجاهات عالمية: عالم يتحول في عام 2025».
ولم يكتفِ هذا التقرير الذي استغرق إعداده عامين، بآراء الجانب الأمريكي، بل إنهم التقوا مع مفكرين وخبراء من دول عديدة، من بينها دول عربية. واتفق واضعو التقرير على أن أمريكا وحدها لن تكون قادرة على حل مشاكل العالم، أو أن تواجه منفردة التحديات لأمنها القومي، بل ستكون في حاجة إلى آخرين يشاركونها تحمّل المهمة.
وبناء على تلك النظرة تحديداً، فإن الرئيس الأسبق أوباما كان قد تطرق مباشرة إلى تلك النقطة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23-11-2009، بقوله إن الولايات المتحدة لن تستطيع وحدها حل مشاكل العالم، وإنها ستحتاج إلى مشاركة دول في العالم معها، لمواجهة التحديات لأمنها القومي، ولمشاكل الدول الإقليمية.
لكن مشروع أوباما فشل، لأن ما نادى به كان لابد وأن يتطلب معاملة بالمثل، بإعطاء أولوية لكل قضايا هذه الدول، وليس فقط مطالبتها بدور، بينما لا تقدم لها أمريكا شيئاً في المقابل، ولذلك تجمدت نظرية أوباما تماماً.
وكانت قضية حل مشاكل الآخرين، قد تحولت إلى بند رئيسي في مؤتمر موسع عام 2009، شاركت فيه قيادات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، منهم وزراء خارجية، ومستشارون للأمن القومي سابقون.
وشملت توصيات المؤتمر قضايا عديدة ومتنوعة، في مناطق العالم الإقليمية ومنها الشرق الأوسط ظهر فيها تأكيد ضرورة حل الدولتين لإنهاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. وهو ما تجاهله الرؤساء الأمريكيون اللاحقون.
الخليج