جهود مصرية.. ورؤية سودانية

يُعرّف هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، الأمن القومي لأية دولة بأنه «أي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء»، وثبت أن التعريف التقليدي، وهو مواجهة التهديدات العسكرية، رؤية ضيقة للغاية في ظل ما طرأ من تغيرات على النظام العالمي، وما شهدته البشرية من تطورات سريعة ومتلاحقة، وما تم استحداثه من أساليب.

ما بين مصر والسودان، علاقات تاريخية ليس لها نظير على سطح الكرة الأرضية على مر العصور، لما يربطهما من وحدة الدم والتاريخ والمصير والثقافة والمستقبل، وهو ما يجعل الأمن القومي للدولتين الشقيقتين جزءًا لا يتجزأ، فإذا تألم السودان، تأثرت مصر واشتكت، وسارعت إليه، لتضع يدها على موضع الألم، مقدمة العلاج بكل رحابة صدر، مثلما لم يكن السودان يوما بعيدا عن أوجاع مصر.

لذا ما كان لمصر أن تغيب عن الأحداث المؤلمة في السودان، بالقدر نفسه الذي يعلم فيه الجميع أنه لن يكون هناك حل شامل للأزمة إلا بوجود مصر ووساطتها ودورها الذي لم يتأخر للحظة واحدة بعد خروج أول طلقة من فوهة بندقية.

لم تفقد مصر الأمل، في وقف الحرب، التي انطلقت شرارتها في 15 أبريل 2023، ولم تتوقف جهودها، لإسكات المدافع، وما استضافة مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية، إلا دليل على انخراطها الجاد - أي مصر- في المساعي الهادفة لحلحلة الأزمة، من خلال تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية المختلفة، للوصول الى رؤية سودانية تحقق مصالح السودانيين، عبر البدء في عملية تفاوضية تنتهي بسلام مستدام تشارك في الحفاظ عليه كل الأطراف، ووصولا إلى تشكيل حكومة مدنية لإدارة المرحلة الانتقالية.

وحرصت مصر على أن يكون دورها توفير المناخ الملائم، وتسهيل المناقشات التي تجريها الأطراف، حتى يتم الحوار بالشكل الإيجابي للخروج بمحصلة تحظى بدعم المواطن السوداني، وتحقق ما يصبو إليه من آمال، ودون أية إملاءات، أو ضغوط من أطراف خارجية.

ولا يهدف الدور المصري إلا إلى دعم جهود التوجه إلى التوصل إلى صيغة، تنهي الأزمة، فكانت استضافة القاهرة في يوليو 2023، مؤتمرا لقادة دول الجوار السبع، لبحث سبل إنهاء الحرب، والتداعيات السلبية للصراع على دول المنطقة، واستضافة قوى الحرية والتغيير في العام نفسه، واستقبال اجتماع آخر بالقاهرة في نوفمبر 2023، واستضافة المؤتمر العام الثاني للكتلة الديمقراطية في مايو 2024.

وتأتي الجهود المصرية المتواصلة، انطلاقا من العلاقات التاريخية بين البلدين والأواصر المتعددة بينهما، والحرص على أمن واستقرار المنطقة في مواجهة كل ما يهددها من نزاعات هزت كيانها.

ويعكس الحضور المكثف لمختلف ممثلي القوى السودانية والشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين، الثقة بجهود مصر للتعامل مع الأزمة، والحفاظ على مقدرات الدولة السودانية، وتحقيق طموحات شعبها، ويؤكد أن جميع الأطراف تدرك ضرورة التوصل إلى حل سياسي، يحفظ مصالح الشعب السوداني.

وما من شك في أن المؤتمر يعد خطوة بناءة وإيجابية، تؤسس لانعقاد مؤتمر دستوري شامل، يتم الإعداد والترتيب له بصورة شفافة ومحايدة، ويشارك فيه الجميع، وفق معايير متفق عليها من أجل وقف الحرب.


لقراءة المقال كاملًا إضغط هنا

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن