وكان المتوقع أن يبدد إعلان موعد الانتخابات الرئاسية التونسية مخاوف المعارضة، ويضع حدًا للسجال الذي لا يتوقف بين النظام السياسي القائم في تونس والمعارضة. لكن ما حدث أنّ جدلًا جديدًا قد انطلق ومخاوف أكبر بدأت تظهر في صفوف المترشحين للرئاسة الذين باتوا يخشون أن يتم إقصاؤهم من السباق لا سيما وأنّ موعد الانتخابات لم تعلنه الهيئة المستقلة للانتخابات كما جرت العادة بل أعلنه رئيس الدولة الذي يُعد مرشحًا بدوره، وهو ما طرح مبكرًا أزمة ثقة بين الهيئة والمعارضة ومن يعتزمون الترشح. إذ ترى المعارضة أنّ الهيئة غير مستقلة، وأنّ الرئيس سعيد هو من يتحكّم في كل قراراتها.
في الأيام التي تلت الإعلان عن موعد الانتخابات تصاعد التوتر السياسي بحيث لم يتردد سعيد في اتهام مرشحي المعارضة بالارتماء في حِضن الخارج، وأن هدف أغلبيتهم هو الكرسي، وانتقد مقاطعتهم للانتخابات البرلمانية السابقة و"تهافتهم على المنصب" الآن في إشارة إلى منصب الرئاسة. في المقابل تؤكد المعارضة أنّ المناخ العام يدل أنّ البلاد ماضية لإجراء انتخابات رئاسية غير نزيهة ولا تعبّر عن إرادة الناخبين لا سيما في ظل رفض قبول توكيلات مترشحين مفترضين من بين المعارضين السياسيين الموقوفين بالسجن لتمكينهم من نماذج للتزكيات، وعدم تمكين آخرين من البطاقة عدد 3 على الرغم من مضي أسابيع على تقديمهم مطالب في الحصول عليها. وهو ما اعتبروه أمرًا متعمدًا من السلطة لإقصائهم من سباق الانتخابات.
وأعلنت عائلة عصام الشابي المترشح عن "الحزب الجمهوري" ورئيسه والمودع بالسجن بتهمة ما يُعرف بـ"التأمر على الدولة"، رفض هيئة الانتخابات التوكيل الذي منح لإبنه، وامتناعها من تمكينه من استمارة التزكيات من أجل الترشح للانتخابات، فضلًا عن عدم استلامهم البطاقة عدد 3 رغم تقدّمهم بالطلب لوزارة الداخلية منذ نحو ثلاثة أسابيع. كما أعلن المترشح عبد اللطيف المكي الوزير السابق والأمين العام لـ"حزب العمل والإنجاز" أنه لم يحصل على البطاقة عدد 3 رغم تقدّمه بالطلب منذ أكثر من أسبوعين.
وفضلًا عن هذه المعوقات يواجه المترشحون المفترضون للانتخابات معضلة أخرى وهي تتالي الاعتقالات والاستدعاءات التي تطالهم هذه الفترة ومباشرة بعد إعلانهم الترشح. ففي 12 يوليو/تموز الجاري أقر القضاء التونسي منع السفر على عبد اللطيف المكي، مع الإبقاء عليه في حالة سراح، ومنعه من الظهور في جميع وسائل الإعلام، ومنعه من مغادرة حدود معتمدية الوردية في تونس العاصمة (مكان إقامته).
وكان المكي قد تلقى في الثاني من يوليو/تموز الجاري استدعاءً للحضور أمام قاضي التحقيق في 12 من الشهر نفسه في ما يُعرف بقضية الجيلاني الدبوسي، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان نيته الترشح.
وفي الرابع من يوليو/تموز الجاري، أوقفت الشرطة التونسية رئيس "حزب الاتحاد الجمهوري الشعبي"، لطفي المراحي، بعد أيام قليلة أيضًا من إعلان نيته الترشح للانتخابات الرئاسية، وبدأ التحقيق معه في شبهات تبييض أموال وفتح حسابات بنكية في الخارج من دون ترخيص من البنك المركزي.
وما زالت رئيسة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسي، أبرز المترشحين للانتخابات تقبع في السجن منذ اعتقالها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أمام القصر الرئاسي بقرطاج، حين كانت تصر على تقديم طعن وتظلّم في مكتب الضبط الرئاسي، ووجهت لها تهم تعطيل حرية العمل والاعتداء قصد إحداث الفوضى.
كما يواجه الكاتب والصحافي الصافي سعيد تتبعات قضائية وحكمًا غيابيًا بالسجن أربعة أشهر بسبب اتهامه من هيئة الانتخابات، بتدليس التزكيات الخاصة بالانتخابات الرئاسية لسنة 2014، مباشرةً بعد إعلان نيته الترشح للانتخابات الرئاسية أيضًا.
وتثير هذه الإيقافات انقسامًا كبيرًا بين مؤيدي الرئيس سعيد ومساره الذين يرون أن التتبعات القضائية تجري بناء على قضايا حقيقية وينفون أن يكون التوقيت المختار لهذه القضايا غايته ضرب خصوم الرئيس، في حين تجزم المعارضة بأنّ الهدف من هذه الإيقافات ضرب المترشحين وجعل الانتخابات تمضي على مقاس الرجل الواحد قيس سعيد لا غير.
ويقول القيادي في "حزب التيار الديمقراطي"، هشام العجبوني لـ"عروبة 22": "لا يمكن الحديث عن انتخابات في ظل هذا المناخ من الخوف والرعب المسلط على كل التونسيين"، ويضيف: "تقريبًا كل المترشحين الجديين إما في السجن أو متعلقة بهم قضايا، فكيف ستُقام هذه الانتخابات؟ كما أنّ المترشحين يملكون شهرًا واحدًا فقط لجمع 10 آلاف تزكية. وتقريبًا يستحيل جمع التزكيات من رؤساء المحليات أو البرلمان المساند لقيس سعيد، وبالتالي سيكون من الصعب جدًا جمع 10 آلاف تزكية".
(خاص "عروبة 22")