لا تحتاج كثيرًا من الوقت والجهد أو مزيدًا من سعة الاطلاع لتعرف أن مصر تمر بأزمة، يكفيك أن تشاهد المؤتمر الصحفى الذي عقده السيد رئيس الوزراء للحديث عن أزمة انقطاع الكهرباء، لتكتشف أن الأزمة أكبر بكثير مما تظن، وما الانقطاع إلا أزمة بسيطة. وإليك التوضيح..
بدأ الدكتور مصطفى مدبولى المؤتمر الصحفي بتصريح أمين عام الأمم المتحدة، الذي قال فيه إننا دخلنا عصر الغليان العالمي، وإن تغيّر المناخ أمر مرعب، وما يحدث هو مجرد البداية، هذا الاستدلال الذي يؤكد من خلاله الدكتور مدبولى أنّ هناك ظروفاً استثنائية غير طبيعية تحدث في العالم كله، وهي السبب الرئيس في أزمة انقطاع الكهرباء في مصر، هو استدلال حقيقي ومنطقي، ولكنه مرعب في الوقت ذاته، ويكشف هذا الاستشهاد عن أن المعالم الحقيقية لحجم الأزمة التي نمر بها أكبر بكثير من أزمة انقطاع الكهرباء.
لقد أخبرنا رئيس الوزراء أن ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقة التي تشهدها مصر، لفترة زمنية تجاوزت 11 يوماً، تبعها استهلاك كميات إضافية من «المازوت» والغاز الطبيعي لم تكن في الحسبان!، ثم يخبرنا سيادته أنه تم التوافق لحل هذه الأزمة عن طريق استيراد شحنات إضافية من «المازوت» حتى نهاية شهر أغسطس بتكلفة قدرها 300 مليون دولار تقريبًا، لم تكن مُقدَّرة في الميزانية، وسيتم التنسيق مع الجهات المعنية لتدبير هذا المبلغ الذي لم يكن بالتالي هو الآخر في الحسبان، من خلال الترشيد في مصروفات بعض القطاعات الأخرى، والسؤال هنا: ما هي تلك القطاعات التي ستتأثر من عملية الترشيد هذه، وكيف ستؤثر علينا، وما هى الرؤية المستقبلية لتعويض النقص الذي أصابها، أم أنها ستكون أزمات خارج الحسبان؟!
ولتخبرنا الحكومة بعد أن تحول العالم من قرية صغيرة وصار الآن بحجم شاشة «الموبايل»، وبات التغيّر المناخى معروفاً للجميع، ويرى الصغير قبل الكبير تأثيره في شكل فيضانات جارفة وحرائق هائلة وأعاصير مدمرة، أين كانت الحكومة من هذه الصور الحية وهذه التحذيرات الواضحة، هل كانت في انتظار تصريح «أنطونيو غوتيريش» الأمين العام للأمم المتحدة، لتعرف أن المناخ قد تغيّر، وأن ما نشهده من ارتفاعات في درجات الحرارة كان يجب أن يكون في الحسبان!
ولتخبرنا الحكومة أيضًا ماذا ستفعل فى الشهور والسنوات المقبلة، بعد أن دعا الأمين العام للأمم المتحدة الدول لاتخاذ إجراءات جذرية وفورية لمواجهة التغيّر المناخي، وكيف سنواجه عصر الغليان الذي أشار إليه الرجل، أم ستكون تلك المواجهة أيضًا خارج الحسبان؟!
ولتخبرنا الحكومة أيضًا أين هي من مفهوم أمن الطاقة الذي تتسابق الدول لتحقيقه، ويعني الوصول المستقر إلى مصادر الطاقة في الوقت المناسب بشكل مستدام، وبأسعار معقولة، ويشكل ركيزة أساسية لتحقيق النمو الاقتصادى وتعزيز الاستقرار السياسى؟.
في النهاية.. إننا أمام أزمة، ويجب علينا المساعدة في حلها، بترشيد استهلاكنا من الكهرباء بقدر المستطاع، مع محاولة تحويل الأحمال وتخفيفها واستخدامها كلما أمكن في غير أوقات الذروة، كذلك يمكن لشركات الاتصالات المساعدة في ذلك بالتنسيق مع الحكومة بإرسال رسائل نصية للمواطنين، بالجداول الزمنية الخاصة بمدة انقطاع التيار وعودته، دون مقابل، المسألة "مش ناقصة خساير!"، وعلى السادة وكلاء صيانة الأجهزة الكهربائية تخفيض قيمة إصلاح الأجهزة التي تعرضت للتلف بسبب التيار الكهربائي.. وهكذا يمكن للجميع أن يساعد في تخفيف هذه الأزمة وحدّتها التي لم تكن فى الحسبان.
ختامًا.. وللتخفيف من أحمال الحياة روي أن جحا ادعى أنه من أولياء الله الصالحين، فقالوا له ما كرامتك؟ فأجاب: إني أعرف ما في قلوبكم، قالوا: قُل، فقال: إنى في قلوبكم كلكم أني كذّاب، قالوا: صدقت.
("الوفد") المصرية