إذا كان بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، قد قتل نحو ٤٠ ألف فلسطيني، وأصاب نحو مائة ألف وشرد حوالى مليونين آخرين منذ بدء عدوانه على قطاع غزة فى ٧ أكتوبر الماضي.
وإذا كان كيانه قد سرق بلدًا اسمه فلسطين منذ عام ١٩٤٨، فهل نستغرب ونندهش إذا خطب نتنياهو يوم الأربعاء الماضي أمام الكونجرس وارتكب مجموعة من الأكاذيب؟!
نتنياهو يكذب على شعبة طوال الوقت، وأحزاب المعارضة الإسرائيلية هي التي تقول ذلك، وليس العرب، وهم يضيفون أنه كذاب أشر ومحتال ومخادع ولا يهمه إلا مصلحته، وأن جزءًا كبيرًا من سياساته منذ بدء العدوان هدفها الأساسي هو البقاء في السلطة، لأن خروجه منها يعني المساءلة والمحاسبة وربما المحاكمة والسجن.
ذهب نتنياهو إلى الكونجرس الأمريكي من دون رغبة البيت الأبيض والرئيس جو بايدن، ذهب إلى هناك مستقويًا بأغلبية من النواب في الحزبين الجمهوري والديمقراطي تؤيده أكثر مما تؤيد الرئيس بايدن.
أكاذيب نتنياهو في الكونجرس لا تعد ولا تحصى وسوف نتوقف هنا عند القضايا الأساسية التي ركز عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي في خطابه الذي استمر نحو الساعة، وقاطعه أعضاء الكونجرس مرارًا وتكرارًا بالتصفيق المتواصل لدرجة أنه قال لهم: «توقفوا عن التصفيق وأنصتوا».
إيران كانت المحور الأساسي في خطاب نتنياهو، واحتلت الجانب الأكبر من كلمته. هو حاول شيطنتها بكل الطرق وصور الصراع معها ومع المقاومة الفلسطينية باعتباره صراعًا بين التحضر والهمجية. الكذبة الكبرى هنا أن علاقة إيران بإسرائيل كانت قوية جدًا حتى سقوط الشاه في فبراير ١٩٧٩، وبالتالي فالمشكلة ليست إيران بل الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام ١٩٤٨ ثم ترسخ وتوسع عام ١٩٦٧.
إذن لم تكن إيران موجودة قبل الاحتلال، وحماس نفسها لم تكن موجودة حتى الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٧، وكذلك الجهاد الاسلامي بل كان هناك الاحتلال فقط.
هذه هي الكذبة الكبرى ويتفرع عنها أكاذيب أخرى من قبيل أن إيران تمول المتظاهرين في الجامعات الأمريكية بل وخارج الكونجرس الذين استقبلوه بلافتات الاحتجاج، وأنهم أصبحوا لعبة في يد إيران. كذبة نتنياهو هدفها نزع الإنسانية والتضامن مع الطلاب النبلاء وتصويرهم مجرد مرتزقة يهتفون مقابل المال.
هو وصف إيران بأنها منبع كل الشرور والفوضى وفرض الإسلام الراديكالي، على المنطقة بأكملها. تقديري أن إيران تريد الهيمنة فعلًا على المنطقة، وارتكبت العديد من الأخطاء والخطايا بحق المنطقة لكن ما علاقة كل ذلك بالاحتلال الإسرائيلي الظالم لفلسطين؟! فلتنسحب إسرائيل من الأرض المحتلة وتتصارع مع إيران كيفما تشاء!
حاول نتنياهو إقناع الأمريكيين بأن يشاركوه شن الحرب ضد إيران وبرنامجها النووي، لأن في ذلك ليس فقط حماية لإسرائيل بل أمريكا أيضًا، ثم خطا نتنياهو خطوة أخرى بالدعوة لتحالف بين دول المنطقة هدفه ضرب المشروع الإيراني، لكنه يقترح ذلك، ويستمر في احتلال الضفة وغزة وعدم تقسيم القدس، والسؤال الذي نسي أن يسأله لنفسه، وما هو الثمن الذي سيحصل عليه العرب إذا وافقوه على هذه الأوهام؟!
من الأكاذيب الكبرى في خطاب نتنياهو أن إسرائيل لا تقوم بحصار أو تجويع سكان غزة، بل إن المساعدات تتدفق لكن حماس تسرقها، وهي كذبة كبرى يصعب حتى على الشيطان أن يفكر فيها، فلو أن حماس تستولى فعلًا على بعض المساعدات، فالمنطق يقول إنها لو كانت تتدفق فسوف تذهب للشعب، لأن بعض قطاعاته غاضبة أيضًا من حماس وما تسببت فيه.
كذبة كبرى أيضًا أن عدوان إسرائيل على رفح لم يتسبب في أي أذى للمدنيين، وأن الضحايا المدنيين في الحرب هم الأقل على الإطلاق في حروب المدن، هي كذبة فاجرة، لأن كل التقديرات الدولية تقول إن الضحايا الفلسطينية هم الأكبر تاريخيًا مقارنة بعدد السكان.
الشيء الوحيد الصادق الذي قاله نتنياهو إن الحرب سوف تنتهي غدًا إذا القت حماس السلاح وأعادت الأسرى، وأن تستمر إسرائيل عسكريًا في الإشراف على غزة. وأن يكون هناك جيل فلسطيني جديد لا يريد تدمير إسرائيل، وأن يتوقف عن كراهيتها بل العيش معها بسلام. كلام نتنياهو يعني أن الاحتلال والعدوان مستمر حتى يتغير الشعب الفلسطيني بدل أن ينتهي الاحتلال.
لم ينسَ نتنياهو سلاحه المفضل، وهو الاستعراض والدعاية والبروباجندا فأحضر معه جنديًا مسلمًا من بدو فلسطيني، ليكذب مدعيًا أن الجيش الإسرائيلي يضم في صفوفه كل الأديان والقوميات.
كذب نتنياهو كثيرًا وهو يقول إننا سوف ننتصر، في حين أنه لم يحقق أي هدف مما وعد به منذ بداية العدوان خصوصًا تحرير الأسرى وتفكيك المقاومة، التي لا تزال تسجل بطولات مهمة رغم عنف العدوان ورغم الدعم الأمريكي المفتوح.
السؤال: كيف تحول الكونجرس ليكون أكثر تأييدًا لنتنياهو من الكنيست في إسرائيل، هل هذا منطقي، وكيف نفهم هذه المفارقة الكبرى؟
(الشروق المصرية)