صحافة

حرب غزة والتواطؤ الإسرائيلي ــ الأمريكي

حسين هريدى

المشاركة
حرب غزة والتواطؤ الإسرائيلي ــ الأمريكي

بناء على دعوة من رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون (جمهوري) ألقى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نيتانياهو خطابا يوم الاربعاء 24 يوليو أمام جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ بالكونجرس الأمريكي، وكانت هذه هي المرة الرابعة التي يخطب فيها نيتانياهو امام جلسات مشتركة للمجلسين آخرها كان في شهر مارس من عام 2015.

جاءت كلمة نيتانياهو الرابعة أمام الكونجرس في إطار استمرار حرب الإبادة التي يشنها على غزة للشهر العاشر, وفي خضم معركة الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة ازدادت تعقيدا وغموضا بانسحاب الرئيس بايدن من الترشح عن الحزب الديمقراطي ، وتأييده لنائبته كامالا هاريس لتكون هي المرشحة الرسمية للحزب الديمقراطي إذا ما وافق مؤتمر الحزب على ترشيحها عند انعقاده في مدينة شيكاغو بولاية ميتشجان. واذا كان التصفيق الحاد والمتواصل لنيتانياهو خلال كلمته هذه المرة جاء صادما لمشاعر اكثر من مليار عربي ومسلم، إلا ان هذا التصفيق المبتذل لا يخفى الانقسامات داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول السياسة الأمريكية تجاه العدوان الاسرائيلي الراهن على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وتجاه الإستراتيجية الأمريكية إزاء الحيلولة دون اشتعال حرب إقليمية واسعة النطاق في الشرق الأوسط والبحر الأحمر.

انعكس ما تقدم على جوهر الخطاب الرابع لنيتانياهو امام الكونجرس الأمريكي فكان حريصا على إيجاد توازن في تناوله سياسات الإدارة الجمهورية السابقة لدونالد ترامب، وسياسات الادارة الديمقراطية الحالية للرئيس بايدن. فأثنى على دور ترامب في تبنى الاتفاقيات الإبراهيمية في عام 2020، وعلى قراراتها بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، ونقل مقر السفارة الأمريكية الى مدينة القدس المحتلة، ومنتهكة بذلك قرارات أممية سبق لإدارات أمريكية سابقة من الحزبين ان وافقت عليها, ومع الأخذ في الحسبان ان ادارة بايدن لم تقم بإلغاء هذه القرارات.

من ناحية اخرى ولاستمالة جميع أجنحة الحزب الجمهوري هنأ نيتانياهو الرئيس الأمريكي السابق على نجاته من محاولة الاغتيال التي تعرض لها خلال تجمع انتخابي منذ ايام. في نفس السياق أسهب في الإشادة بدعم إدارة بايدن لإسرائيل بعد هجمات 7 أكتوبر الماضي، وتحدث بصفة خاصة عن اعتزاز بايدن بأنه صهيوني. خلال كلمته سعى نيتانياهو لتأكيد أهمية مواصلة الدعم والمساندة الأمريكية لاسرائيل على جميع الأصعدة لان إسرائيل تخوض حروبها في المنطقة دفاعا عن المصالح الأمريكية والإسرائيلية في آن واحد. واستطرد أن الإستراتيجية الإسرائيلية الرامية الى إجهاض البرنامج النووي الايراني تحول دون تعرض الأراضي الأمريكية لهجوم نووي إيراني مستقبلا.

ومخاطبا بصورة غير مباشرة الإدارة الأمريكية القادمة بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية يوم 5 نوفمبر المقبل، استعرض رؤيته لليوم التالي في كل من قطاع غزة وفي الشرق الأوسط على حد سواء. بالنسبة للقطاع ذكر انه يريد تكرار تجربة الولايات المتحدة إزاء كل من ألمانيا واليابان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أي نزع سلاح المقاومة الفلسطينية بالتوازي مع القضاء على التطرف الذي يتيح - حسب تقديره الخاطيء - الى ظهور جيل جديد من الفلسطينيين يسمح بإقامة ما وصفه بالسلام في المنطقة. وعن تصوره لمستقبل الشرق الأوسط، استرشد بالدور الامريكي في تشكيل تحالف اقليمي في ابريل الماضي دفاعا عن اسرائيل ضد القصف الصاروخي الايراني الذي استهدف مواقع داخل اسرائيل. وأوضح في هذا الصدد ان على الولايات المتحدة أن تعمل مع اسرائيل على تشكيل ما وصفه بتحالف عسكري يضم الولايات المتحدة واسرائيل، وحلفاءهما- حسب وصفه- في المنطقة واقترح تسميته بالحلف الإبراهيمي اتساقا مع وصف اتفاقيات التطبيع قبل أوانها بين بعض الدول العربية واسرائيل في 2020.

ولا شك ان هذا الطرح مرفوض شكلا وموضوعا. اما عن فرص تسوية القضية الفلسطينية حسب المرجعيات الدولية، وإقامة دولة فلسطين بعد انحسار الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، فمن خلال هذا الخطاب، الذي استند على مغالطات تاريخية حول من هو المعتدي، ومن هم المعتدي على حقوقهم في فلسطين المحتلة، فلا يبدو ان هناك فرصة على الأقل في المستقبل المنظور من أن اسرائيل لديها النية في الخوض في مفاوضات سلام مع الجانب الفلسطيني، فهو تحدث عن ارض اسرائيل منذ ثلاثة آلاف سنة - وادخل في ذلك الضفة الغربية دون التصريح بذلك حسب المعتقدات الصهيونية - وأنها ستظل كذلك.

المشهد الذي رأيناه في العاصمة الأمريكية في هذه الجلسة المشتركة للكونجرس الأمريكي وهو يستمع الى نيتانياهو كان مشهدا كاشفا وبائسا في ذات الوقت، كاشفا لان الولايات المتحدة لم تكن في الماضي ولن تكونً مستقبلا هذا الوسيط النزيه لتسوية الصراع العربي - الإسرائيلي، كما اعتقد البعض في العالم العربي في الماضي، بل المشهد كله يوم 24 يوليو ينبئ بأن اسرائيل والولايات المتحدة هما وجهان لعملة واحدة في الشرق الأوسط, وبائسا أن ترى نوابا، بمجالس تشريعية أجنبية من المفترض أنها تمتع بكامل مظاهر السيادة الوطنية، ولن اقول الحد الادنى من الكرامة والعزة الوطنية، تكف عن التصفيق بناء على أمر من رئيس حكومة أجنبية دعوه ليتحدث إليهم، فعندما قال نيتانياهو لهم: لا تصفقوا, امتثل الجميع له بصورة مهينة لهم. المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط مرحلة حرجة للغاية ستتطلب مقاومة وصلابة عربية لمنع تمرير المشروع الصهيوني - الأمريكي في الشرق الأوسط.

يتم التصفح الآن