صحافة

كيف وصلت إسرائيل لغرفة نوم هنية؟!

عماد الدين حسين

المشاركة
كيف وصلت إسرائيل لغرفة نوم هنية؟!

كيف يمكن لإسرائيل أن تقتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غرفة نومه في أحد المباني شمال طهران بهذه السهولة؟! ‎المعنى الوحيد والرئيسي في هذه العملية هو أن إسرائيل اخترقت إيران بصورة خطيرة، سواء عبر الاختراق السيبراني والذكاء الاصطناعي أو عبر العملاء، بما قد يؤشر لملامح أي صراع كبير بين البلدين إذا قدر للأمور أن تنفلت من عقالها وتتحول إلى صراع إقليمي كبير بدلا من الصراع المنضبط إلى حد ما الدائر حاليا. ‎

في الساعة الثانية من صباح أمس الأربعاء استشهد إسماعيل هنية بينما كان ينام في غرفته بأحد المباني التابعة لقدامى المحاربين شمال العاصمة طهران. هنية كان في طهران بعد أن شارك في اليوم نفسه في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان الذي خلف الرئيس إبراهيم رئيسي الذي كان قد لقى مصرعه قبل حوالي ثلاثة أشهر في تحطم طائرته التى كانت تقله هو ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان في طريق عودتهما من افتتاح مشروع سد مائي على الحدود الإيرانية الآذرية. ‎

نعود إلى ملابسات العملية الارهابية الإسرائيلية التي لم تعترف بها إسرائيل رسميا حتى عصر أمس الأربعاء. ‎نعلم جميعا وتعلم إيران أن إسرائيل أعلنت رسميا منذ عملية طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر الماضي أنها سوف تلاحق كل قادة حماس، في كل مكان، وبالتالي فالمفترض أن تكون تحركات وتنقلات وإقامة هنية في طهران مؤمنة بأقصى درجة ممكنة، وأن يكون محل الإقامة يخضع لحراسة وتأمين شاملين، وبالتالي وحينما تستطيع إسرائيل أن تصل إليه بمثل هذه السهولة والدقة وتغتاله هو وحارسه الخاص فقط في مبنى كان ينام في أحد أدواره أيضا زعيم حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، فإن الأمر يدعو للتساؤل والدهشة وإلى الارتياب أحيانا. ‎

ما يزيد الحيرة والدهشة أنه قبل اغتيال هنية كانت إسرائيل قد تمكنت من استهداف مبنى في ضاحية بيروت الجنوبية حيث المقر الرئيسي لحزب الله وحيث يقيم فؤاد شكر «أبو محسن» وهو بمثابة الرجل رقم ٢ بعد زعيم الحزب حسن نصر الله، وهو المستشار العسكري للحزب.

إسرائيل حتى عصر أمس قالت إنها نجحت في استهداف شكر باعتباره المسؤول عن عملية مجدل شمس في الجولان السوري المحتل وهي العملية التي نفي حزب الله مسئوليته عنها. الحزب أيضا كان قد نفى استشهاد شكر في بداية العملية لكنه عاد وقال إنه كان في المبنى أثناء الاستهداف وبالتالي مهد الطريق لاعتباره شهيدا. ‎قبل عملية هنية وشكر كانت إسرائيل قد نجحت في اغتيال صالح العاروري الرجل رقم ٢ في المكتب السياسي وقائدها في الضفة الغربية، والاستهداف تم أيضا في الضاحية حيث مقر حزب الله، كما نجحت في استهداف عشرات القادة الميدانيين للحزب بعمليات توعية دقيقة.

وكذلك الحال للعديد من قادة حماس في قطاع غزة بل زعمت أنها وجهت ضربة قوية لمحمد الضيف ورائد سلامة قبل أسبوعين في غزة. ‎ونتذكر أيضا أن إسرائيل دمرت مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق في أول أبريل الماضي مما أدى إلى مقتل محمد رضا زاهدى قائد الحرس الثوري الإيراني في سوريا ومعه بعض مساعديه المتواجدين في سوريا. وقبلها قتلت بعض كبار العاملين في البرنامج النووي الإيراني.‎

ونتذكر أيضا أن الولايات المتحدة قتلت قائد فيلق القدس قاسم سليماني ومعه رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس بعد خروجهما من مطار بغداد في ٣ يناير ٢٠٢٠. ‎كل العمليات السابقة تعني شيئا واحدا أن إسرائيل تمكنت من الوصول إلى الرءوس الكبيرة لأعدائها وخصومها سواء عبر الاختراق الالكتروني، وهو يعني أن أجهزة أمنها قوية وهو أمر لا شك فيه لكن الأهم يعني أنها نجحت للأسف في اختراق الدائرة الضيقة لهؤلاء الخصوم سواء كانوا في طهران أو دمشق أو بيروت أو غزة. ‎

هل نلوم إسرائيل على ذلك؟ نحن نرفض إرهابها وعدوانها منذ زرعها في المنطقة عام ١٩٤٨، وهي بطبيعة الحال ترى أن ما تفعله في صميم دفاعها عن نفسها ومصالحها. ‎لكن اللوم الأكبر ينبغي أن يوجه إلى قوى المقاومة الذين لم يتمكنوا من وقف الاختراق الإسرائيلي الذي وصل إلى القادة في غرف نومهم. ‎حادث اغتيال هنية في قلب طهران يدق جرس إنذار بهشاشة الأمن الإيراني واللبناني والسوري والحمساوي، ويكشف أن جواسيس إسرائيل في كل مكان.

(الشروق المصرية)

يتم التصفح الآن