صحافة

الصراع الإسرائيلي - الإيراني: إلى أين تتجه المنطقة..؟

علي الخشيبان

المشاركة
الصراع الإسرائيلي - الإيراني: إلى أين تتجه المنطقة..؟

المواجهة بين إسرائيل وإيران في المنطقة عملية خطيرة ضحيتها الأولى الحق الفلسطيني الذي يفقد موقعه بشكل تدريجي، لتتحول القضية إلى مواجهات إعلامية هدفها النهائي سلخ هذه القضية من أصولها العربية، وتحويلها إلى قضية تنافس سياسي بين قوى لا يهمها في النهاية الآثار التي يمكن أن تحدث في المنطقة، لذلك فالشعوب العربية والقيادات العربية أمامها مهمة كبرى وتحديات تتمثل في ضرورة إعادة توطين القضية الفلسطينية في حضنها العربي..

لقد أصبح من الواضح أنه يمكن لإسرائيل أن تجر وراءها أمريكا في حرب محتملة ضد إيران والتي لا بد وأن تمر عبر الفضاء في الشرق الأوسط، فإيران وإسرائيل لا يجتمعان في حدود برية مباشرة، وخلال الأشهر الماضية عملت إسرائيل بشكل دقيق على الدفع بتفسيرات سياسية تمنعها من البحث في مسائل وقف النار في غزة والتوقف عن قتل المدنيين، وقد كان هذا السلوك غريبا ومستنكرا ومثير للأسئلة لأن إسرائيل دائما تبحث عن الحروب القصيرة.

الفكرة التي يتم استنتاجها تقود إلى حقيقة واحدة تقول إن نتنياهو يرغب في إطالة أمد الحرب حفاظا على حياته السياسة، وخير دليل هو قول الرئيس الأمريكي بايدن عندما سئل عما إذا كان نتنياهو يطيل أمد الحرب من أجل حياته السياسية، فقال بالحرف الواحد: "هناك كل الأسباب للوصول إلى هذا الاستنتاج" الرئيس نتنياهو يدرك أن نجاح وقف النار عبر أي ممر سيؤدي في النهاية إلى انهيار حكومته، ما يعني خروجه من الحياة السياسية ليواجه بعدها سلسلة من الاتهامات التي سوف تؤدي إلى محاكمته.

في التحليل العميق للحالة الإسرائيلية التي يقودها نتنياهو والتي أدت إلى دخول إسرائيل في سلسلة من المواجهات، يمكن الاستنتاج بأن الأيديولوجيا اليهودية أصبحت مخترقة من أيديولوجيا السلطة التي يتبناها نتنياهو والتي تعتمد بشكل مباشر على التصعيد مع أي طرف يمكن لنتنياهو أن يحقق من خلاله كسبا سياسيا، فإسرائيل نتنياهو جادة في عرقلة كل الجهود في المنطقة والتي يمكنها أن تعيد الاستقرار أو حتى تبحث عنه سواء عبر بوابة المفاوضات المباشرة أو مشروعات السلام.

إسرائيل استطاعت تاريخيا أن تنسب كل أفعالها في المنطقة كونها تحدث بتنسيق وبموافقة من البيت الأبيض، ولذلك تبدو كل الأفعال الإسرائيلية أمام الرأي العالمي بهذه الصورة، في الحقيقة لا أحد ينكر الدعم الأمريكي الهائل لإسرائيل، ولكن المرحلة الحالية تثبت أن السياسة الأمريكية لم تعد قادرة عن الاستقلال بنفسها عن التوجه الإسرائيلي في إدراة ملفات المنطقة.

في المواجهات الإسرائيلية تتعمد إسرائيل القيام بعمليات استباقية تقطع الخطوط أمام أي عملية يمكن من خلالها تحسين الوجود الأمريكي في المنطقة، أو على أقل تقدير إظهار هذا الوجود بشكل عادل، فلذلك تفتعل إسرائيل الحروب والاغتيالات في المنطقة من أجل تحقيق هذه الأهداف، اليوم المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية مواجهة علنية وهذا يعني أن المنطقة أمام عملية خطيرة يمكنها تهديد المنطقة التي كانت راضية بشكل بصراع الدولتين ومهاجمة بعضهما البعض ولكن دون اعتراف بالمسؤولية.

الأيديولوجيا الإيرانية والإسرائيلية تقتربان من مواجهة بعضهما البعض، ولكن الجميع يدرك أن معايير هذه المواجهة معقدة ويصعب تصورها، ولذلك فإن مشهد الصراع بين إسرائيل وإيران دائما ما يتحول إلى مسار سياسي ومواجهة إعلامية تستخدم فيها مع كل أسف المجتمعات العربية التي تجر إلى مواجهة سياسية هدفها إحراق القضايا العربية عبر مفاهيم أيديولوجية.

المواجهة بين إسرائيل وإيران حول قضية فلسطين العربية يثير الأسئلة الكبرى، فقضية فلسطين ارتبكت كثيرا أمام هذا التشظي السياسي وظهر أن هناك عملية ترحيل سياسي يتم العمل عليها بهدف حصر القضية الفلسطينية في وسط قضية تتداخل فيها الأيديولوجيا مع مصالح دول بعينها وهذا ما سوف يؤدي إلى ذوبان تدريجي للحق الفلسطيني وتحويله إلى فكرة أيديولوجية تعتمد على الأفكار وليس الحقائق التاريخية.

المواجهة بين إسرائيل وإيران في المنطقة عملية خطيرة ضحيتها الأولى الحق الفلسطيني الذي يفقد موقعه بشكل تدريجي، لتتحول القضية إلى مواجهات إعلامية هدفها النهائي سلخ هذه القضية من أصولها العربية، وتحويلها إلى قضية تنافس سياسي بين قوى لا يهمها في النهاية الآثار التي يمكن أن تحدث في المنطقة. لذلك فالشعوب العربية والقيادات العربية أمامها مهمة كبرى وتحديات تتمثل في ضرورة إعادة توطين القضية الفلسطينية في حضنها العربي وهذا يتطلب تفعيل مهام السلطة الفلسطينية المعترف بها وإعادتها إلى الواجهة كمتحدث وحيد ومباشر يمثل القضية الفلسطينية دون تداخلات مفتعلة من خارج السياق العربي.

وأخيرا فإن أقصر مسافة بين إيران وإسرائيل تبلغ حوالي ألف كيلو متر، وهي نفس المسافة التي تفصل إيران عن غزة وقضيتها الفلسطينية، ونقل القضية إلى تلك المسافة البعيدة يجعلها أمام تحديات الفقدان والذوبان في رحلة الغربة خارج الحضن العربي، فحتى الشعوب العربية أصبحت ترى أن التمسك بالتقاليد العربية لحل القضية الفلسطينية انتهاك لها، والحقيقة التي لا بد من تفعليها هي العودة للتأكيد الدائم بأن إسرائيل محتلة وعليها قبول المسار الدولي لحل القضية الفلسطينية، لأن المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية ما هي إلا دليل مقلق على تشتت أبعد للقضية الفلسطينية وخروجها عن مدارها الصحيح.

(الرياض السعودية)

يتم التصفح الآن