اقتصاد ومال

"المواصفات والمعايير الموحّدة".. لماذا تمثّل ضرورة لاقتصادات الدول العربية؟

تمثّل المواصفات القياسية الموحّدة أهمية كبيرة للتجارة البينية العربية وللشركات والاقتصادات العربية. ويوجد حاليًا مؤسسة عربية معنية بهذا الملف وهي المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتقييس والتعدين التابعة لجامعة الدول العربية والتي يمكن اعتبار أنّ هدفها أن تصبح النظير العربي للمنظمة الدولية للتقييس العالمية المعروفة باسم الآيزو (ISO)، التي تأسست عام 1947، واللجنة الأوروبية للتوحيد القياسي.

تأسست المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتقييس في يوليو/تموز 1988 (مقرّها في المغرب)، نتيجة اندماج ثلاث منظمات عربية متخصصة، هي المنظمة العربية للتنمية الصناعية والمنظمة العربية للثروة المعدنية والمنظمة العربية للمواصفات.

وداخل المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتقييس والتعدين يوجد مركز المواصفات والمقاييس المعني بهذا الملف. ولقد أصدرت المنظمة، الاستراتيجية العربية للتقييـس والجودة 2024-2028، وقبلها الاستراتيجية العربية للتقييس والجودة للفترة بين 2019-2023، كما تعقد اجتماعات وورش عمل بمشاركة الجهات المعنية في الدول العربية من أجل وضع المواصفات العربية الموحّدة في مجالات متعددة، وقطعت شوطًا في هذا الصدد.

يمكن أن تساعد المواصفات القياسية الموحّدة في تعزيز صادرات الشركات العربية للأسواق الخارجية

ولكن هناك حاجة لقرار جماعي عربي بإعطاء أولوية لهذا الملف، لأنه سوف يسهل التبادل التجاري بين الدول العربية، حيث ما زال تباين المواصفات وتقييم الجودة عائقًا أمام التجارة البينية العربية إلى حد كبير.

وهذه المسألة لها أهمية كبيرة للشركات العربية في ظل الصغر النسبي للأسواق القطرية العربية، وبالتالي حاجة هذه الشركات لتوسيع أسواقها سواء للأسواق العربية الأخرى أو الأسواق الخارجية وهي مسألة ليست سهلة في ظل حقيقة أنّ السوق الكبير الرئيسي المجاور للدول العربية هو السوق الأوروبي الذي يتسم بصعوبة فيما يتعلق تحديدًا بمواصفاته ومعاييره الصارمة.

وبالتالي يمكن أن تساعد المواصفات القياسية الموحّدة في تعزيز صادرات الشركات العربية للأسواق الخارجية مثل السوق الأوروبي، خاصة إذا كانت مدعمة بشهادات مواصفات وجودة من تجمع كبير كالعالم العربي، ولا سيما إذا تبنت الدول العربية نهجًا قويًا في الدفاع عن مصالحها الجماعية والمصالح الفردية للأقطار في مواجهة التكتلات الأخرى.

وتسهّل المواصفات القياسية الموحّدة العمل بالنسبة للشركات الأجنبية التي تصدّر للمنطقة أو تستثمر فيها، خاصة أنّ الشركات العالمية يصعب عليها وضع مواصفات لكل دولة على حدة، لا سيما وأنّ معظم الأسواق العربية صغيرة نسبيًا، إذ تفضّل الشركات الكبرى وجود مواصفات موحّدة للكتل والأقاليم الكبرى.

وتشكّل المواصفات الموحّدة إطارًا مرجعيًا أو لغة فنية مشتركة بين الموردين وعملائهم، بحيث تسهّل عملية التبادل التجاري ونقل التكنولوجيا، حسب وصف استراتيجية التقييس والجودة العربية.

هناك حاجة لاستكمال وضع المعايير الموحّدة في ظل سرعة تطور المنتجات والأسواق

وبينما تتولى المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتقييس والتعدين وضع المعايير والمواصفات والمقاييس، فإنّ هناك عملية اختبار المنتجات للتأكد من التزامها بمواصفات المنظمة، عبر مختبرات تكون مستقلة عن المنظمة ولكن معتمدة منها أو من الجهات القطرية الشريكة لها.

ولكن هناك شكوى من قصور في هذا المجال، حيث لا يوجد مختبرات معتمدة في بعض الدول العربية في عدة مجالات.

والمرحلة الأخيرة هي منح شهادات الاعتماد والجودة من قبل الجهات القطرية المعنية بناءً على المواصفات والمعايير العربية الموحّدة.

وتؤكّد الاستراتيجية العربية للتقييس على ضرورة أن تستوفي المختبرات وجهات المطابقة ومنح الشهادات، المعايير الدولية.

وهناك حاجة لاستكمال وضع هذه المعايير الموحّدة في توقيت ملائم في ظل سرعة تطور المنتجات والأسواق وتفعيلها وتطبيقها بشكل كامل في كافة الدول العربية، لا أن تكون مجرد مواصفات استرشادية وهذا يحتاج لجهد مكثف في ظل تباين النظم والاقتصادات العربية وكذلك درجة تطورها وهي مشكلة واجهها الاتحاد الأوروبي بين غربه الأكثر تقدّمًا وشرقه الأفقر.

استمرار التشرذم الاقتصادي العربي معضلة كبرى أمام الاقتصادات العربية

ولكن لدى الاتحاد الأوروبي سلطة إلزامية ورقابية على أعضائه عكس المنظمات العربية، كما أنّ الاتحاد الأوروبي اتبع نهج مساعدة الدول الأفقر والأقل في الإمكانيات (وأحيانًا الضغط عليها) للوصول لمستوى الدول الأغنى والأكثر تقدّمًا.

وفي ظل اختلاف النظام الجماعي العربي الحالي عن نظيره الأوروبي، فإنّ الأمر يحتاج لقرار سياسي جماعي عربي لإعطاء زخم لهذا الملف الذي سيساعد في تطوير مواصفات المنتجات في كثير من الدول العربية، كما أنه يمثل خطوة شديدة الأهمية في طريق تحقيق حلم السوق العربية المشتركة الذي طال انتظاره والذي بات مسألة مُلحّة في ظل انقسام العالم لتكتلات اقتصادية كبرى، بحيث أصبح استمرار التشرذم الاقتصادي العربي الحالي معضلة كبرى أمام الشركات والاقتصادات العربية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن