قضايا العرب

"الدول المشاطئة للبحر الأحمر": هل تنجح في تأسيس قوة عسكرية مشتركة؟

القاهرة - محمد خيال

المشاركة

عندما أُعلن عن تدشين مجلس الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، قبل 3 سنوات، لم يكن هناك تصوّر لتأسيس قوة عسكرية مشتركة من الدول الأعضاء للقيام بدور في مجابهة المخاطر التي تهدد أمن البحر الأحمر.

الرؤية التي قام عليها التجمّع الذي تأسّس في يناير/كانون الثاني 2020، كانت ترتكز على مجموعة من الأهداف، أبرزها وفق ما تم الإعلان عنه حينها: "حماية حركة التجارة والملاحة العالمية والدولية، وتعزيز جوانب الأمن والاستثمار والتنمية، والسعي لتحقيق الاستقرار لدول التجمّع ودعم مصالحها المشتركة، وردع القوى والمجموعات التي تحاول ممارسة أدوار سلبية في المنطقة".

ومع تصاعد التوترات التي تهدد أمن البحر الأحمر في ظل حالة الهشاشة الأمنية التي يعاني منها بعض دول الإقليم، وكذا تزايد التجاذبات على المستويين الإقليمي والدولي، وسعي القوى الدولية المتنافسة إلى إعادة رسم خارطة النفوذ في إقليم البحر الأحمر، إضافةً إلى متغير آخر شديد الأهمية والمتمثل في سعى المملكة العربية السعودية إلى قيادة المنطقة، كل تلك العوامل دفعت الرياض إلى تطوير الرؤية والتفكير في إنشاء قوة عسكرية مشتركة للتجمع.

مركز للدراسات والعمليات العسكرية

كخطوة أولى على طريق إنشاء القوة المشتركة توافق المشاركون على تأسيس مركز للدراسات الاستراتيجية والعمليات العسكرية للمجلس، بحسب ما كشفت عنه مصادر خليجية مطلعة. اختيار مقر المركز كان أحد عوامل الخلاف بين القاهرة والرياض خلال الفترة الماضية، إذ تتمسك المملكة بأن يكون المقر لديها، فيما ترى مصر أنها الأحق به كون السعودية استحوذت على مقر المجلس نفسه.

ويتكوّن مجلس الدول المشاطئة للبحر الأحمر من 8 دول، بينها 7 عربية، هي؛ مصر والسعودية واليمن والأردن والسودان والصومال وجيبوتي، إضافةً إلى إريتريا التي تتمتع بصفة مراقب في الجامعة العربية.

ويُعدّ البحر الأحمر أحد أهم الممرات المائية الدولية، إذ يمرّ به نحو 60% من احتياجات أوروبا من الطاقة، و25% من احتياجات الولايات المتحدة، وإجمالًا يمرّ في مياهه 30% من نفط العالم، وبعيدًا عن النفط، يُعدّ البحر الأحمر أحد شرايين التجارة العالمية الرئيسية، وأحد ممرات طريق الحرير الصيني.

أمام تلك المعطيات يظلّ هناك مجموعة من التساؤلات التي يتوقف على إجاباتها تطوير مستوى التنسيق بين الدول الأعضاء في المجلس ليصل إلى التنسيق العسكري الكامل، وتدشين قوة مشتركة قوامها الرئيسي المجموعة العربية بالمجلس، ومن ثم إمكانية توسيع مظلة تلك القوة لتشمل الدول العربية المنضمة لتكتلات مماثلة في الخليج والبحر المتوسط، أو تلك المعنية بأمن ممرات الطاقة العالمية وليست من الدول المشاطئة للبحر الأحمر، فى إطار تكاملي.

كما أنّ الإجابة على تلك التساؤلات من شأنها أيضًا، الوصول لرؤية تضمن تجنّب العوامل التي قد تنتهي إلى فشل هذا النوع من التنسيق العسكري، كما حدث في تجارب سابقة لم يكتب لها النجاح.

فشل مشروع "الناتو العربي"

في هذا الإطار يشير اللواء دكتور أحمد الشحات، الخبير العسكري المصري، ومدير مركز "شاف للدراسات المستقبلية" إلى صعوبة نجاح التحركات الرامية لإنشاء قوة عسكرية تابعة للمجلس، رغم الحاجة الملحة لها في الوقت الراهن في ظل حالة عدم الاستقرار التي تضرب بعض الدول الأعضاء بالمجلس، والتواجد الإسرائيلي الواسع في إريتريا، وانتشار القواعد العسكرية والقوات الأجنبية في منطقة القرن الإفريقي بما يمثل تهديدًا واضحًا للمصالح العربية.

فكرة تشكيل قوة عسكرية للتجمّع قد تساعد في تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك

ويقارن استشاري الأمن الإقليمي، بين عوائق تشكيل قوة عسكرية تابعة لمجلس الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، وبين فشل تشكيل ما أطلق عليه "الناتو العربي"، موضحًا أنّ اختلاف الأهداف والمخططات للدول التي ناقشت فكرة "الناتو العربي"، فضلًا عن رغبة البعض في "حشر" إسرائيل بأي صفة في التحالف أدى إلى دفن الفكرة وتبرؤ أصحابها منها.

العقبات التي عدّدها الشحات في سياق حديثه عن فشل "الناتو العربي"، تعني أنه لو تم تجاوزها في حالة تجمّع الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، قد تستقيم فكرة تشكيل قوة عسكرية للتجمع الجديد تصلح كنواة لقوة عربية مشتركة، أو ربما يتم من خلالها تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي جمّدت ولم تفعّل منذ عقود.

ففي حالة تجمع البحر الأحمر، نرى أن دوافع السعودية للعب دور إقليمي أوسع قد يجعلها أكثر جديةً وتفاعلًا سواء على مستوى التمويل أو التسليح والمشاركة بقوات، على عكس ما طرح إبان مشاورات "الناتو العربي" التي اكتفت فيها دول الخليج بإبداء استعدادها للتمويل فقط، على أن تشارك دول أخرى في مقدمتها مصر بالقوات، وهو الأمر الذي لم يلقَ حماسةً لدى القاهرة.

دوافع تحفّز تأسيس القوة الجديدة

إضافة لتوجهات الرياض، فإن رغبة القاهرة في تهيئة الأوضاع الأمنية لحركة التجارة والملاحة المارة بقناة السويس، كونها المصدر الرئيسي للعملة الصعبة في ظل أزمة نقص النقد الأجنبي الحادة، قد تكون ضمن محفزات بناء تلك القوة، ويعزّز من ذلك رغبة مصر في لعب دور فاعل في استقرار الأوضاع بجارتها الجنوبية السودان التي تشهد معارك ضارية.

ويحتوي حوض البحر الأحمر على مجموعة من الجزر الاستراتيجية، مثل بريم وحنيش في اليمن، ودهلك في إريتريا، وفرسان في السعودية، وسواكن في السودان، وشدوان وجوبال في مصر، وتؤثر أبعاد المنطقة وجزرها على المجالين الاقتصادي والعسكري. اقتصاديًا؛ تسمح بمرور السفن العملاقة في اتجاهين في وقت واحد، وتعدد موانيها يمكّن من تقديم تسهيلات بحرية، وعسكريًا؛ تسمح تلك الأبعاد باستخدام كافة أنواع السفن الحربية سواء سفن السطح أو الغواصات.

ونتيجة لحركة الملاحة والتجارة العالمية التي لا تهدأ عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، أضحت قناةُ السويس مصدرًا هامًّا للدخل في مصر، وكذلك ميناء العقبة في الأردن، وميناء جدة في المملكة العربية السعودية.

وتسعى السعودية انطلاقًا من رؤيتها 2030، إلى تطوير حوالى 200 كيلومتر على طول سواحل البحر الأحمر، يقع ضمن نطاقها 50 جزيرة صغيرة، لتعزيز المبادرات السياحية التي تستهدف جذب الاستثمارات الأجنبية، كما أنّ موقع مدينة "نيوم" السعودية المستقبلية سوف يكون داخل هذا الشريط الساحلي، بالإضافة إلى الخطة المصرية السعودية لبناء جسر فوق البحر الأحمر، مما سيسهل المرور المباشر للبضائع بين البلدين، ويحقّق التكامل بين الأسواق في كل من شبه الجزيرة وأوروبا.

عقبات في الطريق

ورغم حجم الدوافع والمحفزات التي من شأنها تمهيد الطريق لتأسيس قوة عسكرية مشتركة، على غرار قوات درع الجزيرة المنبثقة عن مجلس التعاون الخليجي، يعتقد اللواء محمد عبد الواحد، خبير الأمن القومي والشؤون الأفريقية، أنّ أقصى ما يمكن أن يتوصل له أعضاء المجلس، هو آلية للتنسيق الاستخباري والتبادل المعلوماتي فقط، وذلك في ظل تباين الرؤى بشأن قضايا الإقليم بين الدول العربية الفاعلة، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أنّ قوة المهام الدولية المشتركة (153) التي تقودها البحرية المصرية في الوقت الراهن "تُغني عن تشكيل قوة عسكرية منبثقة عن مجلس دول البحر الأحمر".

وتتمثل مهام القوة (153) في مكافحة أعمال التهريب، والتصدي للأنشطة غير المشروعة، بخاصة الأنشطة الإرهابية في مناطق البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

تعتبر تل أبيب أي تحرّك عربي لإنشاء قوة عسكرية مشتركة تهديدًا مباشرًا لها

بُعد آخر يشير إليه الخبير الأمني المصري الذي شارك في العديد من الفعاليات والمؤتمرات التي ناقشت أمن منطقة البحر الأحمر، بحكم عمله السابق كمسؤول عن ملف القرن الأفريقي في إحدى الجهات المصرية، وهو الجدلية الخاصة بتواجد دولة الاحتلال الإسرائيلي، كونها عقبة رئيسية أمام أيّ تحرك عربي يستهدف إنشاء قوة عسكرية مشتركة، إذ تعتبر تل أبيب ذلك تهديدًا مباشرًا لها حتى في ظل اتفاقيات التطبيع التي عقدتها معها بعض الدول العربية مؤخرًا.

عقبة أخرى أمام إنشاء تلك القوة يشير إليها هاني الأعصر، الباحث المتخصّص في الشؤون العسكرية والأمن الإقليمي، وتتمثل في موقف بعض الدول الفاعلة بالمنطقة مثل الإمارات، التي تمتلك مصالح مباشرة وتواجدًا عسكريًا على ساحل البحر الأحمر وخليج عدن، والأقرب أنها لن تقبل بإقامة مثل تلك القوة دون أن تكون مشاركة فيها، ما قد يصاعد الخلافات بين دول التجمع نفسه في ظل حالة التنافس على قيادة الإقليم بين الدول العربية.

ويعتبر الأعصر أنّ مثل هذه الخلافات البينية بين الدول العربية، هي السبب الرئيسي لفشل كافة المحاولات السابقة لإقامة تحالفات عسكرية.

النجاح مرهون بالتوافق

ختامًا فإنه رغم توافر المحفزات والدوافع اللازمة لتطوير التنسيق للمستوى العسكري بين دول المجلس إلا أنّ الأمر سيتوقف على إرادة ورغبة كل من السعودية في المقام الأول ومصر في المقام الثاني وتعاون الأردن، باعتبار أنّ القاهرة والرياض القوتين الأكبر عسكريًا واقتصاديًا بين دول التجمع، كما أنّ الأمر قد يتوقف على قدرة الرياض على المناورة الدولية وتوظيف آلياتها في ظلّ رغبتها الجامحة لفرض نفسها كرقم رئيسي في معادلة الإقليم، يضاف إلى ذلك إشراك الدول العربية التي صار لها مصالح مباشرة على سواحل البحر الأحمر وخليج عدن، أو على الأقل تحييدها حتى لا تصنع أزمات قد تؤدي إلى وأد الفكرة.

أما على صعيد حالة التنافس الداخلي بين القاهرة والرياض بشأن استضافة مقر مركز الدراسات والعمليات العسكرية، والذي يُعدّ اللبنة الأولى لبناء القوة العسكرية المشتركة، فإنه يمكن التوافق على صياغة مقترح يقوم على أن يكون مركز القيادة الرئيسي في دولة المقر، وهي السعودية، بحكم كونها ستتولى عملية الإنفاق الاقتصادي، ويستتبع ذلك أن يكون هناك مراكز للقيادة التبادلية بالدول التي ستشارك بالقدر الأكبر من القوات، مثل مصر والسودان إذا انتهى الصراع القائم. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن