صحافة

المتطرفون.. هل يفككون إسرائيل؟!

عماد الدين حسين

المشاركة
المتطرفون.. هل يفككون إسرائيل؟!

هل يمكن أن تتفكك إسرائيل داخليا، بما أن كل أنواع المقاومة الفلسطينية لم تنجح في هذه المهمة حتى الآن؟ من الواضح أن إسرائيل لديها قوة عسكرية هائلة ونوعية، ليس فقط مقارنة بالفلسطينيين ذوي الإمكانيات والموارد الضعيفة جدا، ولكن مقارنة حتى بالعديد من الدول العربية، والسبب الجوهري في ذلك هو الدعم الأمريكي والغربي المفتوح والمستمر حتى تضمن إسرائيل التفوق الدائم على جيرانها العرب مجتمعين.

لكن من ناحية ثانية فإن التداعيات المستمرة للعدوان الإسرائيلي الوحشي المستمر على قطاع غزة منذ ٧ أكتوبر الماضي، وحتى الآن لم تعد قاصرة على الفلسطينيين فقط. البلطجة والعربدة الإسرائيلية سارتا على المنطقة بأكملها وآخرها اغتيالها لإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، يوم الخميس الماضي. هي قتلت نحو ٤٠ ألف فلسطيني وأصابت حوالى مائة ألف ودمرت معظم مباني قطاع غزة وصار معظم سكانه نازحين، لكن الجديد أن هذا الجنون والقتل الجماعي والاندفاع إلى ذرى من العنف وصل ضد بعض قطاعات المجتمع الاسرائيلي.

فضيحة «سديه تيمان» التي كتبت عنها بالأمس في هذا المكان ربما تكون خير مؤشر على سوس التفكك الذي ينخر في جسد هذا الكيان غير الطبيعي.

معتقل «سديه تيمان» أو المعسكر الميداني اليمني هو قاعدة عسكرية إسرائيلية متعددة الوحدات تابعة للقيادة الجنوبية وتقع على بعد ٥ كيلو مترات شمال غرب بئر سبع ويتم فيه سجن الفلسطينيين كمكان احتجاز وطالبت العديد من الجمعيات الحقوقية بإغلاق المعتقل لانتهاكه حقوق الإنسان.

ولمن لم يتابع القصة فإن إسرائيل أقامت معتقلا كبيرا في صحراء النقب اسمه «سديه تيمان» تسجن فيه مئات الفلسطينيين من قطاع غزة من دون أسس وقواعد قانونية. وفضحت صحف عالمية ما يجري من أهوال داخل ما أسمته «جوانتانامو إسرائيل»، خصوصا قيام جنود باغتصاب أسير فلسطيني حتى أعجزوه عن الحركة، وبعد النشر تحركت الشرطة العسكرية للتحقيق في الأمر، ورفض الجنود تنفيذ الأمر وهاجموا قوات الجيش، لكن المفاجأة كانت أن العديد من الوزراء والمسئولين والنواب ساندوا تمرد الجنود وهاجموا الشرطة والنيابة العسكرية التي حاولت التحقيق في القضية.

بعض المقالات الجريئة في الصحافة الإسرائيلية توقفت عند الخطورة الكبيرة في هذه القضية غير المسبوقة، صحيفة هاآرتس مثلا كتبت أن إسرائيل تمر بمرحلة متقدمة جدا من التفكك تحت حكم بنيامين نتنياهو وأن اقتحام معتقل سديه تيمان بمشاركة وزراء ونواب يعكس تعفنا مستمرا ينخر في جسد الدولة.

في تقدير هاآرتس فإن أولى درجات التعفن بدأت بامتناع الجنود عن الاستجابة لأوامر تسليم أنفسهم، بل هاجموا المحققين، ثم وصول عشرات المتظاهرين والنواب واقتحام بوابة المعتقل وبينهم وزير التراث المتطرف أميحاى إلياهو الذي كان يهتف: «الموت للإرهابيين»، وهو ما يعنى أن أعضاء اليمين المتطرف يتصرفون كأفراد ميليشيا، المرحلة الثالثة للتفكك أن رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يولى أدلشتاين أعلن فتح تحقيق مع المحققين الذين حاولوا استجواب الجنود المتمردين، وهو ما يعني أن الأمور انقلبت رأسا على عقب، ثم جاء تصريح وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش «اتركوا مقاتلينا الأبطال» ليكشف أن إسرائيل صارت بلا قانون أو عدالة في اللحظة التي اندفع فيها حوالى ٢٠٠ شخص لاقتحام قاعدة بيت ليد أثناء نقل الجنود التسع المتهمين، وقيام عضو الكنيست بتسحاق كروزر بتهديد المدعين العامة بقوله: «ارفعي يدك عن مقاتلينا».

هاآرتس وصفت المشرعين الإسرائيليين بأنهم يتصرفون مثل الملثمين الذين يشبهون المجرمين الحقيرين.

الخلاصة التي وصلت إليها هاآرتس في افتتاحيتها هي أن دولة نتنياهو فقدت السيطرة على اليمين المتطرف، ومن يزرع الفوضى سوف يجنيها، وإن لم يتم وقف هؤلاء عند حدهم فإن الأمر سوف ينتهى بتفكيك إسرائيل.

انتهى كلام هاآرتس. وبالمناسبة فإن نتنياهو ظل صامتا لساعتين بعد الحادثة، ولم يدنها إلا بإلحاح من قادة الجيش الذين حذروه من عواقب اقتحام قواعد للجيش من دون حساب.

والمعروف أن إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، طالب بإعدام السجناء الفلسطينيين بإطلاق الرصاص عليهم بدلا من تزويدهم بالطعام، ورد على طلبات إغلاق المعتقل بقوله: «أنا المسئول ولست مستعدا لإغلاق سديه تيمان».

في نفس الموضوع كان هناك مقال مهم جدا للكاتب بن كاسبيت في صحيفة معاريف يوم ٣٠ يوليو الماضي يسخر فيه من مقولة نتنياهو «بإننا على مسافة رمية حجر من النصر المؤزر»، قائلا: إننا بعد حادثة سديه تيمان على مسافة رمية حجر من الحرب الأهلية.

بن كاسبيت كتب يقول: ها قد انقلب السحر على الساحر ومن زرع الريح يحصد الآن إعصارا، ومن ركب على النمر يجد نفسه اليوم وجبة عشاء له، والمرء حينما يطلق جنيا من قمقم فإنه يفقد السيطرة عليه، خصوصا حينما اقتحم المتطرفون القاعدة العسكرية هاتفين مؤيدين لنتنياهو، ومطالبين بطرد المدعية العسكرية إلى غزة.

ويقول بن كاسبيت: كل ما يحدث في إسرائيل سيجعل يحيى السنوار وحسن نصر الله وأمثالهما أن يخرجوا في رحلة صيفية كاملة، لأن المتطرفين اليهود هم من سيقومون بتفكيك دولتهم، والغريب أن هؤلاء المتطرفين يقتحمون القواعد العسكرية التي رفضوا أن يدخلوها من قبل كمجندين لأسباب دينية.

يختم بن كاسبيت كلامه بقوله: مع وزير مثل بن غفير السبب الأساسي للفوضى، ومع سياسي مثل نتنياهو هو سيد الفوضى فقد باتت إسرائيل على مرمى حجر من إنجاز مهمة نتنياهو وهي التدمير الكامل والنهائي والشامل للحلم الصهيونىي

انتهى كلام بن كاسبيت ولا أملك إلا أن أتمنى تحقيق توقعه!

(الشروق المصرية)

يتم التصفح الآن