بحسب ما أوردته وكالات الأنباء كخبر عاجل، مساء الخميس، خرج بيان مصري قطري أمريكي مشترك يدعو إسرائيل وحماس، إلى الإسراع بعقد جلسة تفاوض من أجل وضع اللمسات الأخيرة لاتفاق تبادل للأسرى والمحتجزين، وتفعيل إطار الهدنة التي تعنى وقفا لإطلاق النار.
الوسطاء يدقون ناقوس خطر بأن الوقت قد حان كي ينصاع الطرفان، لما تم إنجازه في ورقة الرئيس بايدن التي وضعت خريطة طريق قصير المدى لإيقاف الحرب على غزة، وهي في الأصل حزمة الأوراق والأفكار المصرية، التي قدمتها القاهرة مرارا خلال جولات التفاوض الممتدة لستة أشهر مضت. بدا البيان المشترك وهو يحدد القاهرة أو الدوحة كأماكن جاهزة لاستضافة تلك الجولة، والاشارة إلى يومي الأربعاء أو الخميس القادمين كموعد مقترح لانعقادها، بمثابة استباق سياسي يعيد الحياة إلى المسار التفاوضي.
الأسبوع الأخير وضع الإقليم أمام جهاز الأشعة المقطعية، الذي كشف حجم التدهور الحاصل نتيجة امتداد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كما أكد أيضا أن الحد الأدنى من معادلة الاستقرار باتت لا تحتمل مزيدا من التدهور. فدخول الوضع إلى مناطق حرجة بحجم الرد الإيراني على إسرائيل وانتظار الرد على الرد، هي جولة خاسرة قبل أن تبدأ، وشبح الانزلاق الكامل حينئذ يصير أقرب من أي وقت مضى. فطهران مطالبة هذه المرة بأن يكون فعلها العسكري أكثر جدية وتأثيرا، مما سبق من هجمات رمزية أمكن استيعابها، فضلا عن أن حزب الله اللبناني مطالب هو الآخر من جمهور هذا المحور بأن يقدم اسهاما فعالا ظنا بالقدرة على إرساء معادلة ردع جديدة، تمكن الحزب من الوقوف مستقبلا على التماس الحرج بينه وبين الحدود الشمالية لإسرائيل، في وضع يعيد له مكانته السياسية والأمنية قبل السابع من أكتوبر. تلك الفرضيات محل شك كبير، والنتائج ضبابية عند أصحابها قبل الآخرين، لهذا اختار هذا المحور بمكوناته المتنوعة أدواره داخل مشهد الحرب على غزة بدقة بالغة، فالطرفان بطهران والضاحية الجنوبية لديهما مصالح متشابكة ومعقدة مع الإقليم والعالم، لا يسهل الدفع بها إلى مهب الريح.
في الولايات المتحدة؛ الإدارة الحالية تواجه معضلتها الشخصية بأداء أكثر شحوبا وترددا مما يحتمله التهديد المركب لمصالحها في المنطقة، ومع تصعيد وتأزم يتفاقم كل يوم بدت غير قادرة على فرض ما يلزمها هي على الأقل. الرئيس بايدن عقد الاثنين الماضي اجتماعا لفريقه للأمن القومي في غرفة العمليات، لمناقشة التطورات في الشرق الأوسط، حيث ورد أن الولايات المتحدة تعتقد أن هجوما إيرانيا على إسرائيل بات وشيكا، وقد طلب من أركان فريقه رفيع المستوى وضع محددات التدخل العسكري الأمريكي في حال وقوعه، وجاهزية هذا التدخل والمدى الذي يمكن لواشنطن القبول به. في المقابل تعمدت طهران تسريب جهود الوسطاء، الذين كلفتهم واشنطن للحديث معها من أجل الخروج بالضربة الإيرانية في حدها الأدنى، الذي يمكنها أن ترمم بها ما تضرر من سمعتها، دون الوصول إلى مستويات جديدة قد يصعب استيعابها. ويمكن تفهم تشجيع الولايات المتحدة المفاجئ لإصدار البيان المشترك مع مصر وقطر، في ذات السياق مع تعهد رئاسي أمريكي ببذل جهد مختلف مع الجانب الإسرائيلي، كي تنجح هذه الجولة في الوصول إلى مفردات جديدة لمجمل المشهد، بعد استشعار هذه المساحات الحرجة التي تضع تقاطعات المنطقة برمتها على صفيح ساخن.
لجأت واشنطن إلى مجموعة السبع؛ في رغبة منها لاستثمار جميع جهود الدول الكبرى لإنقاذ المشهد من «نقطة الأزمة» التي صنعتها إسرائيل وإيران هذه المرة، وبعد اتصالات محمومة من الوزير بلينكن مع نظرائه، دفع المجموعة لإصدار بيان، يضع دول تلك المجموعة في مساحة فعل سياسي منتظر بعد أن أخفقت منفردة، في الاضطلاع بضبط إيقاع المشهد مع تداعياته المستجدة. بيان دول مجموعة السبع كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة،حث جميع الأطراف المعنية مرة أخرى على الامتناع عن إدامة الحلقة المدمرة الحالية من العنف الانتقامي، وخفض التوترات والانخراط بشكل بناء نحو خفض التصعيد. غير المنشور في البيان؛ أن أنتوني بلينكن لجأ إلى تلك الدول لاعتقاده بأن الهجوم الإيراني قادم لا محالة، لذلك فإن الضغط على طهران للحد من هجومها هو أفضل طريقة لتجنب حرب إقليمية. في الوقت نفسه تولى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مع نظيره الإسرائيلي مهمة بحث السيناريوهات، والقدرات الدفاعية والهجومية المقابلة للجيش الإسرائيلي في حال تعرضت إسرائيل لهجوم واسع أو متوسط النطاق، من إيران ووكلائها بالمنطقة. ولم يخف الوزير جالانت اعتماد إسرائيل بشكل كبير على التنسيق العسكري الاستراتيجي الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة، بما في ذلك النشر الحالي والمستقبلي للقدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة، وتغييرات وضع القوات في الدفاع عن إسرائيل. كما طلب وزير الدفاع الإسرائيلي صراحة من الوزير أوستن أهمية القيادة الأمريكية في تشكيل تحالف من الحلفاء والشركاء، للدفاع عن إسرائيل والمنطقة من مجموعة من الهجمات الجوية والصاروخية المتوقعة على غرار الهجوم السابق في أبريل الماضي، الذي شكل التداخل الأمريكي فيه عامل الحسم في الدفاع عن إسرائيل.
حاولت إسرائيل الأسبوع الماضي، قبل صدور البيان الثلاثي المشترك من الوسطاء، أن تقنع الجانب العسكري الأمريكي خلال اجتماعات قيادات الاستخبارات والأركان العسكرية مع قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا، بأن خيار قيام إسرائيل بشن ضربة استباقية لردع إيران يعد أفضل السبل للرد على هجوم متوقع أو منعه. لكن الجانب الأمريكي في آخر لحظة تعقل ممكنة؛ رفض هذا السيناريو، وأبلغ الجنرال كوريلا الإسرائيليين، أن واشنطن ستحتاج إلى معلومات استخباراتية خاصة بها بشأن هذه القضية، وضرورة أن تتوافق تلك المعلومات مع ما توافر لدى إسرائيل. بل حتى لو تطابقت المعلومات، فقد تختار الولايات المتحدة حينها تجنب السير في طريق خيار الضربة الاستباقية.
(الأهرام المصرية)