السبب الثالث ولعله الأهم في رواج خبر اعتقال الشيخ، أنه الاول بين أركان النظام وضباطه الذين تعتقلهم الولايات المتحدة، وتدفعهم للمثول أمام القضاء لمحاسبتهم على نحو ما أصاب آخرين غيرهم في بلدان أوروبية بينها ألمانيا وفرنسا والسويد وهولندا والنرويج، وقد صدرت أحكام في بعض القضايا.
في سجل جرائم ارتكبها أو شارك فيها سمير الشيخ قائمة طويلة تضم آلافًا من المعتقلين والقتلى والجرحى والمهجرين
اعتقال الشيخ الذي يمهد لمحاكمته في الولايات المتحدة، كان ثمرة تعاون وتفاعل إيجابي بين ثلاث جهات، تضم الإدارة الأمريكية بما فيها أجهزة قضائية وشرطية، والجالية السورية الأميركية، ومنظمات مدنية وحقوقية سورية وأميركية، مما يشير إلى قوة إقلاع مسار محاسبة مجرمي نظام الأسد بخلاف ما روّجت له بعض الأوساط، أنّ المحاسبة الأمريكية سوف تتأخر أكثر، وقد لا تحدث في المدى المنظور نتيجة عدم اهتمام واشنطن بالملف السوري.
في سجل الخلاصات عن جرائم ارتكبها أو شارك فيها سمير الشيخ إبان توليه منصب محافظ دير الزور قائمة طويلة من الضحايا، تضم آلافًا من المعتقلين والقتلى والجرحى والمهجرين بينهم نساء وأطفال منهم نحو أربعة آلاف قتيل في الفترة ما بين نيسان 2011 وبداية 2013، ومن مجموع معتقلين زاد عن 650 بين تموز/يوليو 2011 و15 كانون الثاني/يناير 2013، تحول 508 أشخاص إلى الاختفاء القسري في الفترة ذاتها، التي قُتل خلالها في مراكز الاحتجاز في دير الزور، ما لا يقل عن 93 شخصًا.
عمم الفساد وقام بحمايته ورعاية ما تبقى من رموز الشبيحة وأطلق يدهم للسيطرة على سجن عدرا
وفي فترة توليه منصب المحافظ، حصلت مجموعة مجازر بينها مجزرة 7 آب/أغسطس 2011، قُتل فيها 81 مدنيًا بينهم 6 أطفال و7 سيدات أثناء اقتحام جيش النظام مدينة دير الزور، مجزرة 25 أيلول/سبتمبر 2012، التي ارتكبتها قوات الجيش مدعومة بالحرس الجمهوري، قُتل فيها 95 شخصًا من سكان القصور والجورة في المدينة، ومجزرة 25 كانون الأول/ديسمبر 2012، التي ارتكبها طيران النظام، حين قصف بالصواريخ فرن الخبز في مدينة البصيرة، فقتل 22 مدنيًا، وأصاب أكثر من 73 غيرهم بجراح.
تبدو محصلة ما ارتكبه الشيخ في فترة توليه منصب محافظ دير الزور ثمنًا لوصوله إلى تلك المسؤولية في النظام، وهو ما يتوافق مع فعله قبل تولي مهمة رئيس فرع الأمن السياسي في ريف دمشق، والذي يُعتبر في هيكلية النظام نائبًا للمحافظ، والإشارة هنا تتعلق بما ارتكبه في سجن عدرا عندما كان مديرًا له فيما بين 2004 و2011، وقد عايشتُ بعضًا من تجربته هناك ما بين بداية 2008 ومنتصف 2010، إذ كنتُ بين السجناء الـ13 من قيادات إعلان دمشق للمعارضة السورية، اعتقلتهم مخابرات الأسد، وأصدرت محكمته عليهم حكمًا بالسجن لعامين ونصف العام بتهم كاذبة ومضحكة.
فوجئ بارتكاباته تلاحقه وتوقع به في مسار حساب جراء ما ارتكب من جرائم في خدمة نظام لا مثيل لجرائمه
أهم ما في سيرته في تلك الفترة، التي كان يُفترض فيه القيام بدور ضابط الشرطة الذي يصون الأمن ويطبق القانون، ويحفظ كرامة وحقوق السجناء، أنه عمم الفساد، وقام بحمايته، ورعاية ما تبقى من رموز الشبيحة ممن شاركوا في استعصاء العام 2007، وأطلق يدهم للسيطرة على السجن وإدارة عمليات نهب السجناء، وترويج مخدرات وهواتف خليوية، تقدّر عائداتها السنوية بملايين الدولارات، بل إنه حوّل بعضًا من السجناء الجنائيين إلى مخبرين وشهود زور للإيقاع بسجناء آخرين ولا سيما سجناء المعارضة الذين فتح دعاوى جديدة لعدد منهم، وانتهك حقوقهم باعتبارهم سجناء رأي، فمنع عنهم الزيارات الخاصة بما فيها زيارات المحامين، وأغلق المكتبة في وجوههم ومنع إدخال الكتب والأدوية والملابس، وأجبرهم على ارتداء الزي الجنائي وعمل على عزلهم، ونظّم عمليات اعتداء جسدي على بعضهم وصل بعضها حدود القتل من سجناء مأجورين، لقد كان بالفعل مثالًا لضباط الأمن الأسوأ في أفعاله وممارساته.
ورغم أنّ بعض مرتكبي الجرائم لا يتلقون جزاء جرائمهم في الحياة لسبب ما، فإنّ سمير الشيخ الذي عمل للإفلات من العقاب بالهجرة والعيش في بلد بعيد، فوجئ بارتكاباته تلاحقه، وتوقع به في مسار حساب جراء ما ارتكب من جرائم في خدمة نظام لا مثيل له ولا لجرائمه التي صنعتها أدوات، اعتقدت أنها ستفلت من العقاب، أو لم تفكر به أصلًا.
(خاص "عروبة 22")