على نقيض إسرائيل، التي انطلقت متحررة من أي رادع في عمليتها باغتيال إسماعيل هنية في إيران، فإن إيران مُكَبَّلة بحسابات شديدة التعقيد عن كيف يكون رد فعلها على هذا الموقف الصعب الذي وضعتها فيه إسرائيل، لما في الاغتيال من إهانة بالغة لها، لنجاح إسرائيل في اختراق حدودها وانتهاك استحكامات أمنها الداخلي وقتل واحد من أقرب حلفائها وهو في حمايتها، وأن يقع هذا في اليوم الأول من حكم الرئيس الإيراني الجديد، بما يفرضه كل هذا على إيران بأن تسعى لرد الاعتبار والانتقام!
وقد أعلنت بالفعل بعد الاغتيال مباشرة أن ردّها سيكون قاسياً، ولكنها، بعد أيام قليلة، أعطت مؤشرات عكسية، بأنها سوف تتنازل عن ردها إذا التزمت إسرائيل بوقف إطلاق النار في غزة، وهي إشارة على نية إيران بالتراجع عن تصريحاتها النارية السابقة.
أما إسرائيل، التي أصرَّت على المزيد من إحراج إيران بعدم إبداء أي نية لها على وقف إطلاق النار، فقد توافرت أدلة على أنها لم تبادر في التخطيط لاغتيال هنية إلا بعدما أكملت مع حلفائها الأقوياء التخطيط للاغتيال ولتبعات ما بعده، وهو ما بدت منه عدة مؤشرات كان أهمها الاجتماع الذي عقده أكبر حلفاء إسرائيل، أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، الأسبوع الماضي، وحذروا فيه إيران بأنهم سيحاربون في صف إسرائيل ضد ما سموه (أي اعتداء على إسرائيل)، دون إبداء أي تفهم لغضب إيران لاغتيال هنية! بل إنهم أنذروها بضرورة وقف دعمها لما سموه (الجماعات الإرهابية)، يقصدون حزب الله وحماس والحوثيين!
هذا يعني احتمال اقتراب تحقيق حلم إسرائيل بإنزال ضربة شديدة بإيران، قد تصل لتدمير منشآتها النووية وقواعدها الصناعية والعلمية، لتعيدها عقوداً إلى الوراء، ولتجعل إسرائيل القوة النووية الوحيدة في الإقليم، وقد تشعل حرباً موسعة تفيد إسرائيل، خاصة بعد أن احتشدت بالفعل القوات المتحالِفة لحماية إسرائيل في البحر المتوسط، ونصبت في دول مجاورة لإيران أجهزة الرصد لمعرفة الخطر على إسرائيل في منابعه. وأما التسريبات من إيران عن حصولها على دعم عسكري روسي وصيني، فهذا يَصبّ في مصلحة إسرائيل لتقنع حلفاءها بأنها تتعرَّض لخطر وجودي يُوجِب التشدد ضد إيران!
(الأهرام المصرية)