صحافة

مفاوضات التهدئة.. خطوة للأمام واثنتان للخلف!

ماجد حبته

المشاركة
مفاوضات التهدئة.. خطوة للأمام واثنتان للخلف!

حالة الارتباك، التي تعيشها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ألقت بظلالها، غالبًا، على مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وبات واضحًا، أو في حكم المؤكد، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتعمّد المماطلة وإطالة أمد التفاوض، إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية، المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل. ويمكنك أن تردّ إلى ذلك، أو تفسّر بذلك، أيضًا، تزايد الممارسات الإسرائيلية الاستفزازية، كالاغتيالات وانتهاك سيادة الدول، التي تدفع في اتجاه تأجيج الصراع، وتوسيع دائرته، وتنذر باشتعال حرب إقليمية.

جرى استئناف المفاوضات، غير المباشرة، بين حركة حماس وإسرائيل، استجابة لدعوة وجهها قادة مصر والولايات المتحدة وقطر، الذين أكدوا، فى بيان مشترك، أنهم، كوسطاء، مستعدون، إذا اقتضت الضرورة، لطرح مقترح نهائي للتغلب على الثغرات، وحل الأمور المتبقية المتعلقة بالتنفيذ، على النحو الذي يلبي توقعات كل الأطراف، وأشاروا إلى أنهم سعوا جاهدين، مع فرقهم، على مدى عدة أشهر للتوصل إلى إطار اتفاق، لا ينقصه سوى وضع التفاصيل المتعلقة بالتنفيذ، يستند إلى المبادئ التي طرحها الرئيس بايدن في 31 مايو الماضي، وتمت المصادقة عليها في مجلس الأمن، مشدّدين على ضرورة عدم إضاعة مزيد من الوقت، وعلى ألا تكون هناك ذرائع من قبل أي طرف لتأجيل آخر.

ولاحقًا، أعرب قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا عن تأييدهم هذه الدعوة، ورحبوا بالعمل الدؤوب الذي يبذله "الشركاء" من أجل التوصل إلى اتفاق، وقالوا إنهم عملوا "مع جميع الأطراف" لمنع التصعيد، ولن يدخروا أي جهد للحد من التوترات، وطالبوا إيران وحلفاءها، بالإحجام عن شن هجمات على إسرائيل مِن شأنها أن تُعرّض فرص التوصل إلى اتفاق للخطر، وأكدوا أنهم متحدون في التزامهم بخفض التصعيد وتحقيق الاستقرار الإقليمي.

تأسيسًا على ذلك، وبعد الجولة التي استضافتها الدوحة، تم الاتفاق على استئناف المفاوضات في القاهرة، وقامت الفرق الفنية بالعمل على ترتيبات تنفيذ الجزئيات الإنسانية الشاملة، والجزئيات المتعلقة بالرهائن والمحتجزين، و... و... وتعلقت الآمال بهذه "الفرصة الأفضل وربما الأخيرة"، كما وصفها أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، خلال جولته التاسعة في المنطقة، منذ 7 أكتوبر الماضي، خاصة بعد أن قدمت الولايات المتحدة اقتراحًا يبنى على نقاط الاتفاق، التي تحققت خلال الجولة السابقة، ويسد الفجوات المتبقية.

لكن مع عدم ممارسة الولايات المتحدة ضغوطًا حاسمة، أو كافية، تأرجح رئيس الوزراء الإسرائيلى بين قبول الاقتراح، والاعتراض على بعض بنوده، أو ادعاء تعديلها، مع أن بلينكن قال للصحفيين، مساء الثلاثاء، إنّ المذكور قال له مباشرةً، وبكل وضوح، إنه يقبل هذا الاقتراح.

النقطة الخلافية، تتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من ممر فيلادلفيا، المعروف أيضًا باسم محور صلاح الدين، الممتد على طول حدود غزة الجنوبية مع مصر، وكذا ممر نتساريم، الذي يمتد من الحدود الإسرائيلية إلى ساحل البحر المتوسط، فاصلًا مدينة غزة وشمال القطاع عن جنوبه والمنطقة الوسطى. لكن في تصريحات وصفتها واشنطن بأنها "متشددة وليست بنّاءة"، قال رئيس الوزراء الإسرائيلى إن قواته "لن تنسحب من ممريّ فيلادلفيا ونتساريم تحت أي ظرف"، وما قد يثير الدهشة، وربما السخرية، هو زعمه بأن السيطرة على الممرين أضيفت إلى اقتراح الرئيس الأمريكي السابق، الذي تمت المصادقة عليه في مجلس الأمن، مع أنك لو عدت إلى الاقتراح، وقرار المجلس رقم 2735، فلن تجد أي إشارة إلى الممرين، بل ستجده ينص، بمنتهى الوضوح والحسم، على انسحاب أولي من المناطق المأهولة بالسكان، خلال المرحلة الأولى من الاتفاق، ثم على انسحاب كامل، خلال المرحلة الثانية، كما أكد مجلس الأمن، في القرار، أنه يرفض أي محاولة لإحداث تغيير ديمغرافي أو إقليمي في قطاع غزة وأي إجراءات تقلص مساحة القطاع.

جهود وسطاء التهدئة، لا تزال مستمرة، أملًا في عدم تضييع "فرصة قد تكون أخيرة" لعقد اتفاق، يحول دون تصعيد الصراع، أو توسيع دائرته. كما تواصل الدولة المصرية اتصالاتها مع مختلف الأطراف، لإغلاق الثغرات، وجسر الخلافات، واحتواء التصعيد، والتحذير من مخاطره على دول المنطقة، وعلى مصالح أطراف دولية عديدة. وفي سياقات ومناسبات مختلفة، شدّد الرئيس عبدالفتاح السيسي على ضرورة تضافر جميع الجهود للتوصل إلى اتفاق يحقن الدماء ويجنب المنطقة عواقب التصعيد، وأوضح أن استمرار الحرب في قطاع غزة يجر المنطقة إلى دائرة مفرغة وخطيرة من عدم الاستقرار، وأكد أن رؤية مصر، وجميع دول الإقليم، تجاه مستقبل استقرار المنطقة، تتأسس على إيجاد حل دائم وعادل يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

... أخيرًا، وبعد أن بات واضحًا، أو في حكم المؤكد، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتعمّد المماطلة وإطالة أمد التفاوض، للإفلات من المحاسبة عن إخفاقاته السياسية وجرائمه الجنائية، ليس أمام وسطاء التهدئة، غير مواصلة جهودهم، وتوسيع دائرة التنسيق مع المجتمع الدولي، لممارسة ضغوط جادة، وحقيقية، على الحكومة الإسرائيلية، لتنفيذ قرار مجلس الأمن وأوامر محكمة العدل الدولية، والتوقف عن الممارسات الاستفزازية، التي تدفع في اتجاه تأجيج الصراع، وتوسيع دائرته، وتنذر باشتعال حرب إقليمية.

(الأهرام المصرية)

يتم التصفح الآن