خلال العصور الوسطى وعصر النهضة، استمرت المناظرات كأداة تعليمية مهمة، حيث كانت تُدَرّس في الجامعات وتُمارَس في السياقات الدينية والفلسفية. تطوّر شكل المناظرة بمرور الوقت، بحيث تضمنت قواعد وهياكل شكّلت المناظرة الحديثة.
في القرنين التاسع عشر والعشرين، توسّعت المناظرات أكثر مع ظهور جمعيات المناظرات البرلمانية والتنافسية في الجامعات والمدارس حول العالم. ركّزت هذه المناظرات على صقل مهارات الجدل والمنطق والإقناع، وغالبًا ما كانت تدور حول القضايا السياسية والاجتماعية المعاصرة.
واليوم، لا تزال المناظرات جزءًا حيويًا من التعليم والخطاب العام، مع أشكال مختلفة مثل المناظرات البرلمانية والسياسية. ولا تزال المناظرة منصة لمناقشة القضايا المعقدة وتداولها، وتعزيز التفكير النقدي، وتطوير مهارات التواصل.
يعيش العالم اليوم حالة من القلق بشأن الانتخابات الأميركية المرتقبة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وما يترتب عنها من نتائج "ديمقراطية" أو "جمهورية"، ستعمل بلا شك على إعادة خلط الأوراق العسكرية والسياسية، وبخاصة في مناطق النزاع.
يجوز لنا القول إنّ تاريخ المناظرات الرئاسية الأميركية يُعتبر حديثًا نسبيًا مقارنة بتاريخ المناظرات الأوسع نطاقًا.
ولعلّ مناظرة نيكسون ــ كينيدي التي عُقدت عام 1960 كانت أول مناظرة رئاسية متلفزة في التاريخ الأميركي بين السيناتور جون كينيدي المرشح الديمقراطي ونائب الرئيس ريتشارد نيكسون المرشح الجمهوري. وقد اشتهرت هذه المناظرة بتأثيرها على التصوّر العام، إذ مال من شاهدها على شاشات التلفزيون إلى اعتبار كينيدي هو الفائز بسبب سلوكه الهادئ والكاريزمي، بينما كان ظهور نيكسون أقل إيجابية. وتفيد المصادر التاريخية أنّ المظهر الخارجي للمرشحين الرئاسيين قد لعب دورًا محوريًا في تفضيل الجمهور لكينيدي، الذي تعمّد ارتداء بدلة سوداء كلاسيكية، وفي المقابل بدت بدلة نيكسون البنية باهتة وغير أنيقة مما منحه مظهرًا أشعث وغير مرتّب.
بعد مناظرة عام 1960 المحورية، لم تحدث المناظرات الرئاسية بانتظام حتى عام 1976. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المناظرات سمة قياسية في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بل حدثًا عالميًا يُثير اهتمام وفضول المشاهدين في كل مكان.
تطورت أشكال المناظرات الرئاسية على مر السنين. وعادةً ما تتضمّن المناظرات مزيجًا من المواضيع، بحيث يقف المرشحون على المنصات، وأحيانًا تسمح إدارة المناظرات للجمهور بطرح الأسئلة مباشرة.
كان للمناظرات الرئاسية تأثيرٌ كبيرٌ على تصورات الناخبين ونتائج الانتخابات، لأنّها توفر منصّة للمرشحين للتعبير عن مواقفهم بشأن القضايا الرئيسية، والرد على الانتقادات، وإظهار استعدادهم لقيادة البلاد.
وعمومًا، أصبحت المناظرات الرئاسية جزءًا لا يتجزأ من العملية الانتخابية الأميركية، حيث توفر للناخبين فرصة للمقارنة بين المرشحين مباشرةً واتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على أدائهم وسياساتهم.
من الملاحظ أنّ احتمال عودة دونالد ترامب لقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصًا في هذه الظروف الدولية المعقدة، يُشكل قلقًا وامتعاضًا كبيرًا لدى معارضيه. فالشخصية الجدلية الأقرب للبهلوانية تجعل من دونالد ترامب مرشحًا مثيرًا للاهتمام، حيث يُعلّق الناخبون من خلفيات دينية وسياسية محافظة الأمل على الرجل البرتقالي لوقف حد لاستنزاف خزينة الدولة من أجل دعم حروب بالوكالة، وتبديد أموال دافعي الضرائب في خوض نزاعات عسكرية يرى المواطن الأميركي أن لا ناقة له فيها ولا جمل.
كانت هناك العديد من الخلافات التي أحاطت بالمناظرات التي شارك فيها دونالد ترامب، خاصّة خلال فترة رئاسته الأولى وحملته الانتخابية. أثارت مقاطعات ترامب المتكررة وسلوكه العدواني تجاه كل من جو بايدن ومدير المناظرة، كريس والاس، انتقادات واسعة. وأدى ذلك إلى مناقشات حول شكل المناظرات المستقبلية ولياقاتها.
ومن بين أكثر المداخلات الترامبية إثارة للجدل والاستياء، وصفه للصحفية ميغان كيلي التي شاركت في إدارة مناظرة رئاسية عام 2015، بأنّ "الدماء تنفجر منها من كل اتجاه"، وهي الجملة التي أثارت حنق المنظمات النسوية، حيث اعتبرت المناهضات للتمييز الجنسي ضد النساء، أنّ عبارة ترامب كانت تحقيرية وحاطّة من الكرامة الإنسانية.
أثار دونالد ترامب الجدل مجددًا في مناظرته الرئاسية الثانية سنة 2020، التي كان من المقرر في الأصل أن تكون مناظرة تقليدية، إلّا أنّه رفض المشاركة فيها بعد أن تمّ تغييرها إلى مناظرة افتراضية بسبب تشخيصه بفيروس كورونا. وقد أثار هذا القرار جدلًا حول التعامل مع الجائحة وتأثيرها على الحملات الانتخابية.
كان أسلوب ترامب في المناظرات التمهيدية سنة 2016 شديد العدوانية، مثل تشكيكه في حياد المشرفين والتهجم الشخصي على الخصوم مثل جيب بوش وتيد كروز، ووصفه لهيلاري كلينتون بـ"الكاذبة واللصة التي تستحق السجن". انتقد ترامب وفريق حملته الانتخابية لجنة المناظرات الرئاسية، زاعمين أنّ هناك تحيّزًا في اختيار المشرفين وأشكال المناظرات.
واليوم، يعود السباق الرئاسي الأميركي إلى رفع مستويات الأدرينالين الدولية.. في انتظار تتويج "الزعيم الجديد" للنظام العالمي!.
(خاص "عروبة 22")