مع التحرك التركي المتجدد تجاه السلطة الفلسطينية، والتواصل مع الحكومة الإسرائيلية لترتيب لقاء بديل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب مرضه، ودعوة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، نظيره التركي يشار غولر لزيارة تل أبيب فان السؤال المطروح لماذا الآن؟ وما هو مخطط الرئيس رجب طيب أردوغان في التعامل مع الجانبين؟ وهل هناك أولويات تركية عاجلة في التعامل مع الجانبين خاصة مع التوجهات التركية المعلنة في إطار "صفر مشاكل" في الإقليم؟
الأمر يتعلق باستئناف العلاقات مع الدول العربية الكبيرة، وبدء تطبيع العلاقات في مستواها الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، وهو ما يعني أن تركيا تعيد ترتيب حساباتها في طرح مقاربة فاعلة في الإقليم من خلال دور متنام بصورة كبيرة، وفي ظل تقييمات تركية مهمة برزت مؤخرا في إعادة التأكيد على تطبيع العلاقات مع سوريا، وإعادة تركيز إستراتيجيتها في شرق المتوسط وفي نطاقات «الناتو»، ولعب دور في ملف الأزمة الأوكرانية الروسية من خلال اتفاقية الحبوب.
في هذا الإطار يمكن فهم طبيعة الانفتاح التركي على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي مجدداً، خاصة مع عدم وجود أية تحركات دولية في هذا الملف الشائك باستثناء تحركات مترددة من الجانب الصيني، ولهذا جاء التحرك التركي استثماراً لما يجري، وكسباً لأرضية جديدة في الإقليم من خلال الانفتاح بالتزامن مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فبالنسبة للجانب الفلسطيني تسعي تركيا لإيجاد دور مهم في الضفة الغربية، وتحديدا في القدس من خلال دورها التاريخي بهدف حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية مع التنسيق مع الأردن، كما تسعي تركيا للعب دور في الترتيبات التي تجري في الساحة الفلسطينية خاصة وأن الوجود التركي في قطاع غزة لافتا، وتتعدد صوره.
ومن ثم فان الجانب التركي حريص على تأكيد دعمه السلطة الفلسطينية، كما أنه يدفع لإعادة ترتيب الأجواء الفلسطينية، وبالتالي فإن الجانب التركي يعمل في مسارات محددة الأول: دعم السلطة وتعزيز علاقاته بأركانها، وحجز دور في أية ترتيبات مقبلة داخل السلطة الفلسطينية، وخارجها مما قد يثقل الحضور التركي في الملف الفلسطيني خاصة وأن الموقف التركي من التطورات الفلسطينية الداخلية تميز في الفترة الأخيرة بعدم التدخل والمتابعة من الخارج الثاني: تأجيل بعض الملفات المشتركة، ومنها ترسيم الحدود البحرية مع الأراضي الفلسطينية، والواضح أن الجانب التركي – وفي إطار مراجعاته لما يجري في إقليم شرق المتوسط، وبعد تطبيع العلاقات مع مصر - فقد يعيد النظر في تفاصيل عديدة منها موقفه من اليونان وقبرص.
وبالنسبة للجانب الإسرائيلي، فهناك حرص تركي على تنمية وتطوير العلاقات مع إسرائيل انطلاقا من حسابات اقتصادية وعسكرية، وتوافقات جديدة تتم في منظومة العلاقات بعد أن تجاوز الطرفان عقدة السفينة «مرمرة»، والواضح حرص الجانبين التركي والإسرائيلي على الانتقال بالعلاقات لمرحلة جديدة.
الحكومة الإسرائيلية تريد نقل رسالة إلي الولايات المتحدة أنها تسعي لتنمية علاقاتها مع أنقرة، والتي تملك أوراق ضاغطة على دول حلف الناتو، وتعمل في اتجاه تعزيز العلاقات مع القوي الرئيسة في الإقليم، ومحاولة رئيس الوزراء نتنياهو القفز على خلافاته مع واشنطن، وبرغم ذلك فإن الرئيس التركي أردوجان غير قادر على الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف الممارسات الإسرائيلية في الضفة، وليس بمقدوره الحديث عن خطوة وساطة يمكن أن يقوم بها على مستوي الجانبين الفلسطيني الإسرائيلي، وكل ما يمكن أن يحصل عليه من نتنياهو تقديم بعض التسهيلات للسلطة الفلسطينية، وبالتالي فإن استمرار التنسيق الإسرائيلي التركي مفيد للجانبين، ولتركيا في إطار «صفر مشاكل» التي يسعى لإقرارها في الإقليم، والاستفادة من الاستثمارات العربية، وبناء تحالفات عربية تركية جديدة خاصة مع التحولات الكبرى التي يشهدها النظام الدولي. ومسعى الرئيس التركي أردوغان يتمثل في حجز دور استباقي في أية ترتيبات إستراتيجية من الآن تحسبا لعالم جديد متعدد الأقطاب يسمح بمرونة كبيرة في التعامل، مع الحفاظ على مكاسب الدولة التركية، وتنفيذا لإستراتيجية طويلة الأجل في الشرق الأوسط.
وبرغم ما سبق فإن حدود الدور التركي ليست متسعة بالمعنى المتعارف عليه بل هناك قيود وإشكاليات عدة على المستويين العربي والإسرائيلي بل والتركي نفسه في ظل انشغالات عدة للسياسة التركية، وفي ظل انتظار سيناريوهات ما بعد تطبيع العلاقات العربية التركية، وجني ثمار خطوات ما قد يتم اقتصاديًا واستثماريًا بالأساس، وليس في المستوى السياسي المعقّد ثنائياً ومتعدد الأطراف.
("الاتحاد") الإماراتية