في ظلّ التحديات العظمى التي تواجهها كل دول أفريقيا وكثير من دول العالم للوفاء بالتزاماتها تجاه سداد الديون وخدمة الدين، وفي ظلّ أزمة مديونية عالمية وصلت إلى ٣٠٥ تريليونات دولار، ويبلغ فيها نصيب الدول الأفريقية حوالى ١٫١ تريليون دولار، فضلًا عن الدول النامية في قارتي أمريكا اللاتينية وآسيا، وجب هنا أن يقف العالم بإنصات تجاه نصف سكان الكرة الأرضية، والتعامل مع أزمتهم بعين الاعتبار والاهتمام.
وقد تكون أزمة كورونا العالمية هي رسالة كونية لتضع العالم في خندق واحد، حيث تترك دلالتها أيضًا على أزمة عالمية اسمها «أزمة الديون» ، فوجه الشبه هنا أنها أزمة ستطول الجميع من دائن ومدين لأننا جميعًا في صندوق مغلق اسمه عالمنا الصغير!
ففي كنف عولمة جائرة لا تستطيع ان تفصل بوضوح في من هو المدان في ارتفاع نسبة الديون، هل المدين المتعثر، أم العالم القوي الذي جار على حقوق الجزء الآخر من العالم الفقير واستعمره وأفقره، وغذى الحروب الأهلية والانقلابات، واشترك في نهب الثروات، وقدّم المغريات لاستجلاب عقول تلك البلدان كما اغترف من موادها الخام وثرواتها، القطاع الغالب من أزمة الاستدانة سببها سياسات اقتصادية ضعيفة استكانت لتحقيق مصالح سياسية على حساب مصالح اقتصادية.
هنا يجدر السؤال هل نستطيع إعفاء الدول المتقدمة الدائنة من معضلة اتساع رقعة مديونية العالم الثالث؟ وقد شاركت تلك الدول في مراحل مختلفة في فساد إنفاق تلك القروض و المنح واستثمرت مناخ الفساد لصالح اقتصادييها واقتصادها، فذهبت القروض في غير مصارف التنمية في كثير من الدول فأصبحت قروضًا بل عائدًا مستجلبًا لصالح الاقتصاد والتنمية، وبدلًا من أن تزيل أعباء وضعت اثقالًا على كاهل الدول وحكوماتها المتعاقبة.
وعليه، من الصعب، بل من المستحيل أن تتمكن الدول الإفريقية ودول العالم الثالث من تجسير فجوة التنمية وهي مثقلة بهذا الكم الهائل من الديون.
وقد بدأت الأصوات تتعالى في العديد من دول القارة الأفريقية بضرورة إعفائها من سداد الديون أو تخفيفها أو مبادلتها. ولاقت تلك المطالب قبولًا لدى العديد من الدول الأوروبية. ولكن لا نريدها صيحات فردية بل نريد حركة أفريقية دولية شعارها «لا تنمية في ظل الديون».
لذا فنحن ندعو لإنشاء نادٍ أفريقى لتسوية وإسقاط الديون الأفريقية بالتعاون مع نوادي باريس ولندن، على أن يقود هذا النادي حكماء القارة الأفريقية من الرؤساء السابقين المعروفين بالنزاهة والاقتدار والدبلوماسيين والخبراء الاقتصاديين والماليين وقادة الرأي في القارة السمراء.
وقد يكون ذلك الإسقاط العام والفوري للديون له بالغ الأثر في تنشيط الاقتصاد العالمي بدخول كل الدول التي تحرّرت من الديون طرفًا فاعلًا في حركة التجارة العالمية، وضخّ أموال في الاقتصاد العالمي تتحقق منه أرباح للجميع قد تفوق تحصيل أصل الديون وخدمتها.
عولمة الأزمة الآن واجبة لأنها تمسّ شعوبًا، كما تمسّ تنميةً مغلوبة على أمرها وتضع أثقالًا لا تنتهي على نصف اقتصاد العالم، فضلًا عن التضامن الإنساني الواجب توافره في مثل هذه الظروف. فلا يسعد قارات العالم الدائنة أن تثقل بالمهاجرين من دول القارات الفقيرة، فقد ينهار اتزان الكوكب بذلك الإجحاف لنصف سكان الأرض.
("الأهرام") المصرية