كان متوقعاً منذ السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، أن تستمر الحرب على غزة شهوراً طويلة، فنتنياهو توعد بأيام قتال لا نهاية لها حتى تحقيق أهدافه، كما أن أفضل المتفائلين استبعدوا أن تكون الحرب هذه كسابقاتها، لأن ما حدث كان ضربة استراتيجية للردع الإسرائيلي، وإخفاقاً كبيراً أفقدها توازنها، إلى جوانب عوامل أخرى، تتعلق بالشؤون الداخلية والتركيبة السياسية داخل إسرائيل، ورغبة نتنياهو في إبقاء تحالفه مع اليمين المتطرف، لأن انسحاب وزرائهم يعني سقوط حكومته ثم محاسبته على فشله الذريع.
أكثر من 10 أشهر من الحرب، ومحادثات الهدنة لم تتوقف ما بين القاهرة والدوحة، بوجود أمريكي، علّها تصل إلى مقاربات تضع حداً للمقتلة القائمة الآن، لكن ثمة فجوات كبيرة، تجعل من المستحيل التوصل إلى صيغ حل، خصوصاً أن مطالب فصائل غزة تتمسك بانسحاب كامل من غزة، وعودة النازحين، وإدخال المساعدات، وتفاصيل تتعلق بصفقة تبادل، في حين ترفضها إسرائيل جملة وتفصيلاً، بل إنها في كل مرة تضع شروطاً جديدة، في محاولة لوضع العصيّ بدواليب أي تقدم، لأن فكرة إنهاء الحرب ليست مطروحة حتى اللحظة في تل أبيب، إذ تريد توقفاً لستة أسابيع فقط، يتم من خلالها إفقاد الفصائل ورقتها الرابحة، أي الأسرى، عبر عمليات تبادل، ثم استئناف القتال، لشهور وربما لسنوات أخرى.
على الرغم من أصوات كثيرة تطالب بـ"إنقاذ" الأسرى الإسرائيليين بأقرب وقت ممكن، وتلميحات الجيش أن بإمكان الحكومة المضي قدماً في الصفقة، فإن المستوى السياسي وعلى رأسه نتنياهو، يأبى ذلك، بل إنه يجابه الولايات المتحدة، حليفه الاستراتيجي، ويلتف على أي مبادرات مطروحة، وأهمها خطة بايدن التي هي بالأساس إسرائيلية، إلا أن ثمة إصراراً على وضع العراقيل مهما كلف ذلك من ثمن، حتى وإن كانت مخالفة للمصالح الأمريكية التي تحاول جاهدة منع انزلاق الأمور لحرب إقليمية تعيدها إلى وحل هذه المنطقة مجدداً على حساب المواجهة مع الصين وروسيا.
الحسابات السياسية الإسرائيلية تجعل من الصعب التوصل إلى صفقة راهناً مع الكثير من التفاصيل الشائكة، وأهمها عدم قبول تل أبيب الانسحاب من محور فيلادلفيا وممر نتساريم ووقف الحرب، خصوصاً مع فشل الجيش في تحقيق الهدف الأبرز، وهو القضاء على الفصائل، لذا فإن التوقف الآن بالنسبة لنتنياهو وعصبته يُعدُّ هزيمة نكراء، حيث لم يشبع انتقامهم بتدمير ثلثي غزة بشكل كامل، وقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني.
الحرب ستتواصل على المدى القريب، ما لم تحدث تحولات مفاجئة، وأهمها ضغط حقيقي من أمريكا على إسرائيل، وإلا فإن أي حديث عن هدنة أمام حكومة كهذه وبالمعطيات الحالية سيكون ضرباً من المستحيل.
(الخليج الإماراتية)