صحافة

الشرق الأوسط بين بلينكن وكيسنجر.. دروس مستفادة

حسين هريدي

المشاركة
الشرق الأوسط بين بلينكن وكيسنجر.. دروس مستفادة

قام وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن بزيارته التاسعة للشرق الأوسط منذ هجمات 7 أكتوبر الماضي، زار خلالها كلا من اسرائيل ومصر وقطر في الفترة من 18-22 أغسطس الماضي، وكان الهدف من هذه الجولة هو دفع فرص التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الاسرائيليين في غزة استنادا الى قرار مجلس الامن رقم (2735) في يونيو الماضي، وهو القرار الذي تبنى خريطة الطريق من ثلاث مراحل لوقف إطلاق نار دائم كان أعلنها الرئيس الأمريكي جو بايدن في 31 مايو الماضي.

وتذكرنا "جولات أنتوني بلينكن" في المدة من 7 اكتوبر 2023 وحتى 22 اغسطس الماضي بالجولات المكوكية التي كان يقوم بها وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر في الشرق الأوسط في الفترة التي أعقبت حرب اكتوبر 1973، واستمرت حتى التوقيع على اتفاقية فك الاشتباك الثانية بين مصر واسرائيل في سبتمبر من عام 1975. وكان قد تفاوض على اتفاقية فك الاشتباك الأولي بين الدولتين في يناير 1974، وساهم في صياغة اتفاقية فك الاشتباك الأولي والأخيرة بين سوريا وإسرائيل في عام 1974.

بالرغم من الفارق الزمنى الكبير بين جولات كيسنجر وجولات بلينكن (نصف قرن تقريبا) إلا أنهما كاشفتان لإستراتيجية أمريكية ثابتة في الشرق الأوسط لم تتغير طوال هذه الفترة الزمنية. ويمكننا ان نستخلص منهما:

أولا: ان التحرك الدبلوماسي النشط للإدارتين الأمريكيتين، ادارة ريشارد نيكسون الجمهورية في حالة كيسنجر، وادارة جو بايدن الديمقراطية، جاءت بعد حروب شنها الجانب العربي والفلسطيني على اسرائيل، تكبدت خلالها الدولة العبرية خسائر عسكرية واقتصادية ضخمةً.

ثانيا: في كلتا الحالتين سارعت الولايات المتحدة بتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية كبيرةً. ففي حرب أكتوبر أقامت جسرا جويا وبحريا أمدّت من خلاله اسرائيل بأسلحة وذخيرة تقدر قيمتها بأسعار عام 1973 بـ55 مليار دولار.

اما في حرب غزة الخامسة منذ 7 أكتوبر المنصرم بلغ الدعم العسكري الأمريكي لاسرائيل حتى كتابة هذا المقال في اغسطس 2024 - نحو 12 مليارا ونصف مليار دولار، هذا علاوة على الإعلان عن تقديم مساعدات عسكرية لاسرائيل تقدر بـ 20 مليار دولار، منها 740 مليون دولار دانات دبابات و500 مليون دولار عربات مدرعة تقدم فورا، اما باقي المبلغ فسيخصص لدعم سلاح الجو الاسرائيلي على عدة سنوات.

ثالثا: توفير الغطاء السياسي والدبلوماسي للإستراتيجية الاسرائيلية في التعامل مع الأعداء والخصوم لاسرائيل، مدعوما بالمساعدات العسكرية والمالية التي تقدمها الولايات المتحدةً دون انقطاع خلال العمليات العسكرية، وهو ما يسهم في تقوية الموقف التفاوضي لإسرائيل على حساب موقف الدول والأطراف العربية.

رابعا: تحييد القدرات العسكرية المضادة لإسرائيل، سواء عن طريق نشر قوات أمريكية من الأسطول السادس الأمريكي دعم غير مباشر لاسرائيل، أو بعث رسائل تهديد مبطنة للدول والأطراف التي من المحتمل ان تنحاز الى الدول والأطراف التي تحارب اسرائيل، وتشارك في هذه الحروب ضدها .

خامسا: تشكيل تكتل أمريكي غربي يقف وراء اسرائيل بالدعم العسكري المباشر او بمساندة المواقف الاسرائيلية في الأمم المتحدة والمحافل الدولية المختلفة، لتمرير قرارات لمصلحة إسرائيل، أو تعطيل قرارات ضدها عن طريق استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن.

سادسا: انتهاج سياسات الترغيب والترهيب لإثناء الأطراف العربية عن الوقوف أمام المخططات الإسرائيلية.

سابعا: تأتي الحلول الأمريكية في معظمها بعد تنسيق وتعاون مع اسرائيل بحيث تخدم هذه الحلول المصالح الإستراتيجية الاسرائيلية أكثر مما تخدم المصالح العربية والفلسطينية.

ثامنا: ترتب ويترتب على ما تقدم ان الدبلوماسية الأمريكية، سواء خلال حقبة كيسنجر، او في المرحلة الراهنة أثبتت وتثبت أنها دبلوماسية قاصرة ومنحازة انحيازا شبه تام للخيارات الاسرائيلية، وهو الأمر الذي لم يسهم ولا يساهم في إرساء دعائم الأمن الجماعي في الشرق الأوسط.

تاسعا: إن التجاهل الأمريكي المستمر منذ حرب يونيو 1967، ومرورا بحرب اكتوبر، ثم معركة طوفان الأقصى للمقاومة الفلسطينية في أكتوبر الماضى لقاعدة ان الأمن في الشرق الأوسط كل لا يتجزأ، بمعنى انه ليس مباراة صفرية، هو السبب الرئيسي وراء عدم إحلال السلام الشامل والعادل والدائم في الشرق الأوسط، بما في ذلك عدم تسوية القضية الفلسطينية حسب قرارات الشرعية الدولية، ومنها إقامة دولة فلسطين المستقلة ذات سيادة.

عاشرا: في كلتا الحالتين وأعني بذلك مرحلة كيسنجر ومرحلة بلينكن، كان ويظل غياب القرار العربي الموحد، وكذلك الإرادة العربية الصلبة والمتماسكة هو أحد الأسباب وراء عدم وجود حوائط صد إستراتيجية صامدة عبر الزمن تستطيع ان تجهض، وان تحتوي بشكل فعال التكتل الاسرائيلي الامريكي الغربي في الشرق الأوسط، هذا التكتل الذي يعظم من القوة الاسرائيلية، وبالتالي يخل بتوازن القوة في المنطقة.

حادي عشر: من الأهمية بمكان العمل على إيجاد توازن قوة يعادل بين القوة الاسرائيلية والقوى العربية على جميع الأصعدة، فمع استمرار غياب هذا التوازن الاستراتيجي الضروري والمهم ستظل الأوضاع في الشرق الأوسط أسيرة لإرادات الغير، سواء كان ذلك الدولة العبرية، أو من يقف وراءها بكل ثقله العسكري والاقتصادي والمالي.

(الأهرام المصرية)

يتم التصفح الآن