اقتصاد ومال

لماذا فشلت معظم الدول العربية في تنويع اقتصادها (2/2)تنويع الاقتصاد.. أين الخلل؟

على الرغم من سعي المغرب الحثيث لأكثر من ثلاثة عقود لتحديث بنيته الاقتصادية وتنويعها، إلّا أنّ الحصيلة أسفرت عن تنويع جزئي وبطيء، واستمرار في الارتهان إلى القطاعات الفلاحية والاستخراجية والخدماتية، وهو ما تؤكده نِسب النمو العامة المتدنية والمتقلبة نتيجة ارتباطها الكبير خاصة بالفلاحة، التي تأثرت بموجة جفافٍ استمرت أزيد من ست سنوات، تخللتها أزمات اقتصادية كانت سببًا في اقتراب نسب البطالة من عتبة 14 في المئة خلال السنة الجارية، نتيجة تدهور قدرة قطاعي الفلاحة والعقار التشغيلية وعدم استطاعة بقية القطاعات استيعاب فائض اليد العاملة غير المؤهلة والغير قابلة للإدماج، خاصّة في القطاع الصناعي الذي يتطلب مؤهلات تقنية قد لا تتوفر لدى معظم العاطلين.

لماذا فشلت معظم الدول العربية في تنويع اقتصادها (2/2)
تنويع الاقتصاد.. أين الخلل؟

إنّ غاية تنويع الاقتصاد المغربي وجعله أكثر استقرارًا قد تظل غاية مؤجلة في ظل الثقل الكبير للأنشطة الفلاحية والخدماتية على مستوى إنتاج القيمة وإحداث مناصب الشغل، كما أنّ الارتهان الكبير للشركاء الاقتصاديين الأوروبيين الذي يهيمنون على أكثر من 60 في المائة من إجمالي المبادلات التجارية للمغرب، خاصّة فرنسا وإسبانيا اللذان تمثّل نسبة وارداتهما أكثر من 40% من مجموع الصادرات، قد يُشكل عقبة في وجه المساعي الرامية إلى جعل الاقتصاد أكثر استقرارًا، وقد يفاقم هشاشته ويجعله عرضة لاستيراد الأزمات التي تنشأ في الضفة الشمالية للمتوسط كما حدث خلال الأزمة التضخمية الأخيرة، وهو ما يجعل مسألة تنويع الشركاء حيوية بالنسبة للاقتصاد المغربي، ليس فقط على مستوى تنويعه بل كذلك على مستوى تجنيبه هزات وأزمات قد يكون لها وقع اجتماعي واقتصادي سلبي كما حدث خلال السنة الماضية.

هذا الارتهان مرده إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والجغرافية والتاريخية، كان لها دورٌ كبيرٌ في تمتين الروابط الاقتصادية مع أوروبا، وإجهاض كل محاولات تنويع الشركاء التي سعت إليها المملكة خلال العقدين الأخيرين، عبر إبرام عدد من اتفاقيات التبادل الحر الثنائية والمتعددة الأطراف مع تونس ومصر والأردن والامارات العربية المتحدة وتركيا والولايات المتحدة الأميركية، ومع جامعة الدول العربية.

السعي المزدوج لتنويع الشركاء والاقتصاد قد يفتح آفاقًا جديدة لتطور الاقتصاد المغربي 

وفي السياق ذاته، تُعزّز بنية الاستثمار الأجنبي الارتهان الاقتصادي لأوروبا، بالنظر إلى هيمنة الاستثمارات الفرنسية والإسبانية على المشهد، وهو الأمر الذي تؤكده صناعة السيارات بالمغرب، التي يهيمن عليها الاستثمار الفرنسي، والتي توجه معظم أرباحها وإنتاجها نحو أوروبا، وهو ما حاولت المملكة تجازوه من خلال تشجيع الاستثمار الأجنبي القادم من آفاقٍ غير أوروبية، خاصّة الاستثمار العربي الخليجي، وذلك بالموازاة مع التوجه نحو قطاعات استراتيجية جديدة وضع أسُسها الميثاق الجديد للاستثمار والنموذج التنموي الجديد، كالصناعات الدفاعية والدوائية والتكنولوجية والطاقات المتجددة، وِفق مقاربة تروم تعزيز حضور الاستثمار الخاص والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو ما يؤكد سعي المملكة المزدوج لتنويع الشركاء والاقتصاد في آن واحد، وهو ما قد يفتح آفاقًا جديدة لتطور الاقتصاد المغربي كما قد يمنحه متانةً واستقرارًا في وجه الأزمات والصدمات الخارجية.

رؤى جديدة لتدارك الزمن الاقتصادي المهدور

إنّ ما جرى به الحديث عن اقتصاد المملكة المغربية، يمكن تعميمه بدرجات متفاوتة على بقية الدول العربية الراغبة في تنويع اقتصادها، بما فيها دول الخليج العربي، التي على الرغم من سعيها الحثيث لتجاوز هيمنة المحروقات على بنيتها الاقتصادية، إلّا أنّ نسبتها على مستوى الصادرات ما لبثت تشكل أكثر من 40 في المائة، وعلى مستوى الموازنات العامة ما بين 70 و80 في المائة، وهو ما يؤكد بطء سرعة التحول الاقتصادي لدى هذه البلدان، ويُعاظم المخاطر والتحديات التي يفرضها تحول الاقتصاد العالمي نحو اقتصاد أخضر وبدائل طاقية جديدة قد تسهم في تجريد دول الخليج من امتيازها الاقتصادي، الأمر الذي بات يتطلب التعجيل بتنويع الاقتصاد والشركاء، والتوجه للاستثمار في القطاعات غير النفطية مثل السياحة، والتكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والتصنيع، والزراعة، وهو ما استجابت له بشكل متفاوت هذه الدول، عبر بلورة وتنزيل عدد من الرؤى الاقتصادية والتنموية، كرؤية الكويت 2035 ورؤية عمان 2040 ورؤية المملكة العربية السعودية 2030 ورؤية الإمارات العربية المتحدة 2071، التي تريد من خلالها دول الخليج العربي تسريع الانتقال الاقتصادي نحو اقتصاد متنوع ومنفتح وتنافسي.

يجب تجاوز الحلول الأحادية في زمن التكتلات الاقتصادية الكبرى وتبني خيارات تمكّن من استغلال أمثل لثروات المنطقة

إنّ غاية تنويع اقتصاد الدول العربية وتمكينه من آليات التطور والصمود والاستدامة، تمر وجوبًا عبر تعزيز العلاقات الاقتصادية البينية ووضع أسس اقتصاد عربي مشترك، عوض اختيار الاستراتيجيات والرؤى الأحادية التي قد تكرس عزلة بعض الدول العربية وتفاقم ارتهانها للخارج، وهو ما خلفته جل التجارب السابقة، ولأنّ الزمن الاقتصادي لم يعد يحتمل مزيدًا من الهدر ولا متطلبات الشعوب تتحمل مزيدًا من التأجيل، فالحلول الأحادية في زمن التكتلات الاقتصادية الكبرى تظل ضربًا من ضروب العبث الذي يجب تجاوزه وتبني خيارات تمكّن من استغلال أمثل لثروات المنطقة وتمكّن الأمة العربية من استعادة مكانتها بين الأمم. 


لقراءة الجزء الأول

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن