وفي هذا السياق، تأتي المبادرات لتقديم قروض ميسّرة لدعم قطاع الإسكان ولكنها تواجه انتقادات واسعة لعدم تحقيقها النتائج المرجوة، إذ قدّم البنك المركزي العراقي، قرضًا ميسّرًا بقيمة 2 تريليون دينار إلى المصرف العقاري، ويهدف هذا القرض إلى تعزيز نشاط بناء الوحدات السكنية في العراق، في خطوة تُعد مبادرة تنموية إضافية في قطاع الإسكان لعام 2024.
المجمعات السكنية التي أُنشئت ولّدت ضغطًا كبيرًا على الخدمات وشبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي
لكنّ مبادرات المصرفين العقاري والإسكان، لم تساهم في استحداث مدن جديدة، بل أضرت بالمدن القائمة عندما موّلت مشاريع تقطيع الدور السكنية، ما أدى إلى القضاء على المساحات الخضراء وزيادة ازدحام المدن، إذ إنّ المنطقة التي كانت تحتوي على 1000 منزل أصبحت اليوم تحتوي على 10,000 منزل، على سبيل المثال، مما ضاعف من مشاكل البنية التحتية والخدمات، كما أنّ مبادرات الإسكان وضعت شروطًا صارمة لا يستطيع الموظف صاحب الدخل المتوسط تحقيقها، بحيث لا يغطي راتبه الشهري قسط الوحدة السكنية الذي يتجاوز مليون دينار، بالإضافة إلى شرط الكفيل، وهو أمر صعب في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
ومن الجدير بالإشارة، أنّ المجمعات السكنية التي أُنشئت ولّدت ضغطًا كبيرًا على الخدمات وشبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي، وزادت من الزخم داخل المدن، إذ إنّ هذه المجمعات شُيدت في مناطق تعاني من مشكلات عديدة، أبرزها الكثافة السكانية وقلة الخدمات، مما زاد من معاناة تلك المناطق وفاقم من أزمة العاصمة، بخاصة مع تصاعد الاستثمارات في هذه المجمعات السكنية، إذ تستمر أزمة السكن في العراق بالتفاقم رغم المبادرات الحكومية المتعددة، التي لم تحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع، بينما يحاول البنك المركزي العراقي تقديم حلول من خلال القروض الميسّرة.
يصطدم الكثير من العراقيين، وخصوصًا من الطبقتين المتوسطة والفقيرة، بعراقيل وعقبات في سبيل الحصول على عقار سكني بسبب الأسعار الباهظة. ورغم ما يتم إنشاؤه من مدن ومجمعات سكنية في عموم العراق، ما تزال الأسعار لا تتناسب مع قدرة الأغلبية الواسعة من السكان، إذ يحتاج العراق إلى إنشاء من 3 إلى 3.5 ملايين وحدة سكنية للحد من الأزمة المزمنة في هذا القطاع. وفي محاولة لتقليص الفجوة باشرت الحكومة بإنشاء 52 مدينة سكنية في المحافظات الوسطى والجنوبية، إلى جانب مجمعات سكنية وقروض متنوعة لبناء وترميم وشراء الوحدات السكنية.
ومن خلال خطة التنمية الخمسية 2024 – 2028، أخذت وزارة التخطيط بالاعتبار قطاع السكن والحاجة الموجودة في هذا القطاع، وسيتم ترجمة ما خُطط له إلى مشاريع وسياسات وإجراءات من خلال إنشاء مدن سكنية جديدة في كل المحافظات، وتم البدء في هذه المشاريع في العاصمة بغداد وبعض المحافظات الأخرى، وتستمر سياسة معالجة السكن من خلال إنشاء مدن سكنية جديدة في كل المحافظات التي ستخفف وستسهم بمعالجة جانب كبير من أزمة السكن، وفي الوقت نفسه، فتح آفاق استثمارية جيدة في قطاع السكن لاستقطاب الشركات الاستثمارية التي تستثمر في هذا القطاع من خلال إنشاء المجمعات السكنية في مختلف المحافظات العراقية.
البناء العمودي خصوصًا في مراكز المدن هو ضرورة مُلحّة لتخطي الحاجة السكنية فيها
ولعل الجانب المهم والأساسي في هذه الخريطة الاستثمارية هو أن يتم تنفيذ المشاريع في جميع القطاعات الاقتصادية والتي تتجاوز 10 قطاعات، من التعليم العالي والصحة والطاقة والتربية والزراعة والصناعة وغيرها، لكن الأهم هو في جانب التشييد والبناء، وهو ما يشمل المجمعات السكنية، ومن ناحية اخرى، سوف يسرّع الإستثمار العقاري لدى الدولة من جهة، وتشجيع القطاع الخاص من جهة أخرى، من وتيرة الإعمار ويختصران الزمن المطلوب لذلك، كما على الدولة مسؤولية مراقبة المستثمر العقاري ومنعه من المغالاة في جعل الفارق كبيرًا بين سعر كلفة البناء وثمن البيع.
وفي الختام، رغم الأزمة السكنية الحادة التي يمر بها العراق وشح الأراضي السكنية المتوفرة، ورغم التوسع السكني الأفقي الهائل، لم نلحظ اهتمامًا كبيرًا موازيًا في البناء العمودي، وهو حل جذري كبير لأزمة السكن في كل أنحاء العالم، إذ إنّ البناء العمودي خصوصًا في مراكز المدن هو ضرورة مُلحّة لتخطي الحاجة السكنية فيها، وفي أغلب دول العالم يُعتبر البناء العمودي سبيلًا متبعًا وناجزًا لحل أزمة السكن في المدن الكبيرة الرئيسية.
(خاص "عروبة 22")