هيمن المشهد اللبناني بأحداثه المتسارعة على ما عداه من تطورات وتحركات دبلوماسية وميدانية حيث سلطت الصحف العربية الصادرة اليوم الضوء على الحصيلة المروّعة للمجزرة السيبرانية التي ارتكبتها إسرائيل في العمق اللبناني من خلال تفجير أجهزة نداء "بايجر" يستخدمها عناصر "حزب الله" وعاملون في مؤسساته والتي أودت في حصيلة غير نهائية الى مقتل 12 شخصًا وإصابة نحو 3000، من بينهم 400 في حالة حرجة.
وبدا لافتاً حجم الاستهداف وامتداده الجغرافي حيث شمل مناطق مختلفة من لبنان الى جانب سوريا التي أعلنت عن سقوط ضحايا للحزب بريف دمشق. فيما قُتل نجل النائب عن "حزب الله" علي عمّار، أعلنت السفارة الإيرانية في بيروت أن سفيرها في لبنان مجتبى أماني أصيب بجروح سطحية الى جانب اثنين من مرافقيه.
وفي حين لم تتبنَ اسرائيل رسمياً عملية "تحت الحزام" وفضلت "عدم التعليق"، حمّل "حزب الله" تل أبيب كامل المسؤولية متوعداً بـ"القصاص العادل". هذا وكانت جبهة جنوب لبنان على موعد جديد من التحركات وسط معلومات وتقارير تؤكد أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مصرّ على "اجتثاث الحزب" وإعادة السكان الى قراهم في الشمال دون أن يُعير النصائح الأميركية بعدم التصعيد أي آذان صاغية.
وعن الحادث الامني، ذكر موقع "أكسيوس" أن "عملية تفجير أجهزة "بايجر" تمت الموافقة عليها هذا الأسبوع في اجتماعات بين نتنياهو وكبار أعضاء حكومته والقادة"، مضيفاً أن "إسرائيل نفذت العمليّة لنقل قتالها ضد "حزب الله" إلى مرحلة جديدة مع السعي لعدم بلوغ حرب شاملة".
المجلس الأمني الإسرائيلي المصغّر سارع، بدوره، إلى عقد اجتماع للبحث في الوضع على الجبهة مع لبنان ما بعد هذه العمليّة، كما عقد نتنياهو اجتماعات أمنية وعسكرية محمومة للبحث في كيفية التعاطي مع التطورات الأمنية والعسكرية. وأعلنت هيئة البث الإسرائيلية "كان" عن رفع حالة التأهّب في جميع الموانئ البحريّة بما في ذلك إيلات.
وبظل تضارب المعلومات وكثرت التحليلات، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية عن مسؤولين اسرائيليين أنه تم زرع مادة متفجرة صغيرة الحجم بجانب بطارية كل جهاز "بايجر" مستورد من شركة "غولد أبولو" التايوانية، موضحين أنه تم التلاعب بأجهزة الاتصال التي طلبها "حزب الله" قبل وصولها إلى لبنان.
وفيما قالت وزارة الدفاع الأميركية إن "الولايات المتحدة ليست ضالعة في التفجيرات، وإن واشنطن تركز بشكل كبير على ضمان عدم تصعيد التوترات في المنطقة وتحولها إلى صراع أوسع". تحدث جهاز "الشاباك" عن "إحباط عمليّة بواسطة عبوة ناسفة زرعها "حزب الله" كانت تستهدف مسؤولًا أمنيًّا، وكان موعد تنفيذها في الأيام القليلة المقبلة". هذا وأُعلن لاحقًا أن الشخصية الإسرائيليّة المستهدفة هي رئيس الأركان السابق أفيف كوخافي.
بالتزامن، أعلن الجيش الأردني إحباطه محاولة "اجتياز طائرة مسيّرة إلى الأراضي الأردنية"، دون أن يحدد الاتجاه الذي جاءت منه.
ميدانياً، يتواصل التصعيد على جبهة لبنان مع تطوّر في مستوى العمليات المتبادلة، حيث شنّ الاحتلال غارات عنيفة ومكثّفة على البلدات والقرى الحدوديّة، ومنها أطراف بلدة مركبا بالفسفور الأبيض، ويارون وبليدا وزوطر ما أدى الى سقوط قتلى وجرحى.
أما على صعيد التطورات الفلسطينية، فتُعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم، للتصويت على مشروع قرار فلسطيني يطالب إسرائيل بالامتثال لالتزاماتها القانونية بموجب قرارات "محكمة العدل الدولية" وإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية خلال 12 شهراً.
وعن المفاوضات، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري "عدم وجود مستجدات بشأن صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار"، لكنه أكد أن "الجهود مستمرة لتقليص الفجوات، وأن الوسطاء يقومون بكل ما يستطيعون للتوصل إلى صفقة".
واذ تتواصل المجازر في قطاع غزة المحاصر مع استمرار الاشتباكات العنيفة وحملة الاعتقالات والاقتحامات شمالي الضفة الغربية ولاسيما في نابلس ورام الله والبيرة، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بمقتل 4 جنود في كمين نصبته "كتائب القسام" في رفح جنوب القطاع.
ونستعرض في جولة الصحف اليوم:
اعتبرت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن "الحقيقة الماثلة للعيان أن الجيش الإسرائيلي الغارق في وحل غزة، بات منهكاً ولا يستطيع خوض حروب جديدة، بعدما بات يواجه حرب استنزاف قد لا يقوى على احتمالها إلى ما لا نهاية"، لافتة الى أنه "أبرز ما كشفته حرب غزة، أن الأمن الإسرائيلي مرتبط ارتباطاً عضوياً بالدعم الأمريكي، وأن الجيش الإسرائيلي لا يمكنه مواصلة الحرب بدون هذا الدعم".
ونقلت صحيفة "الأنباء" الكويتية عن مصادر دبلوماسية غربية إعتبارها أن "زيارة هوكشتاين إلى المنطقة اقتصرت على تل أبيب فقط، حيث حمل رسالة محددة دون إجراء أي لقاءات أو مشاورات في دول أو مع أطراف أخرى، وهذا يشير إلى أن الزيارة كانت مخصصة لنقل التحذيرات الأميركية المباشرة إلى إسرائيل بخصوص الشمال، وتركزت حول تجنب فتح جبهة جديدة مع "حزب الله"، خصوصا في ظل تعقيدات الوضع القائم في غزة".
من جهتها، رأت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تنخرط بمفاوضات وقف حرب غزة وتعطى انطباعا للعالم بجديتها وقدرتها على اعتناق أفكار تضيء ردهات مباحثات وقف إطلاق النار ومنع الجرائم البشعة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي باستخدام الأسلحة الأمريكية"، لكنها شددت على أن "الواقع يحمل بين ثناياه مواقف مخزية تبث الإحباط في النفوس المتطلعة بقرب الوصول لاتفاق ملّزم".
وأشارت صحيفة " النهار العربي" إلى أن المسؤولين الاميركيين طلبوا من قطر التدخل لحل عقدة "حماس"، وقد بذلت الاخيرة جهودا كبيرة على هذا الصعيد، متحدثة عن مفاوضات قادها رئيس الحكومة القطرية الشيخ محمد آل ثاني في باريس الأسبوع الماضي "لكن طالما الأمور ما زالت معطلة على صعيد غزة، فإسرائيل تنقل التهديد بالحل العسكري الى الشمال، وهو ما يسعى الجانب الاميركي الى تجنبه، ويعمل مع باريس على هذا الصعيد".
تحت عنوان "بين الذكاء الاصطناعي والاختراقات البشرية"، كتبت صحيفة "اللواء" اللبنانية عن حادثة تفجير أجهزة "بايجر"، اذ قالت "ثمة توقعات بأن رد "حزب الله" ليس بالضرورة أن يكون فورياً، أو سريعاً ولا متسرعاً. كما أنه لن يكون دون حسابات معينة لإحباط خطة نتنياهو الجهنمية بتفجير المنطقة في حرب إقليمية مدمرة على كل الأطراف. ولكن ذلك لا يعني عدم حصول رد نوعي من الحزب "بالوقت المناسب" و"بالسلاح المناسب" وبتحديد" الأهداف المناسبة"، بحسب رأيها.
(رصد "عروبة 22")