ويتقدم للاستحقاق الانتخابي المقرر إقامته في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ثلاثة مرشحين، هم الرئيس قيس سعيد، والأمين العام المستقيل من حركة "عازمون" العياشي زمال الموقوف والملاحق قضائيًا بتهمة "تزوير تزكيات"، والأمين العام لـ"حركة الشعب" زهير المغزاوي. وقد أعلن زمال، الاثنين، انطلاق حملته الانتخابية رغم توقيفه وتعهد حال فوزه بإجراء "مصالحة وطنية شاملة وصياغة دستور جديد وانتخابات تشريعية مبكرة وتكوين المحكمة الدستورية".
وتجري الحملة الانتخابية، التي انطلقت دون أن يشعر بها معظم التونسيين، على وقع سجال قانوني كبير بين القضاء الإداري وهيئة الانتخابات على خلفية رفض الأخيرة قرارات المحكمة الإدارية بعودة ثلاثة مترشحين لسباق الرئاسة.
ففي الثاني من سبتمبر/أيلول الجاري رفضت الهيئة العليا للانتخابات تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية، أعلى هيئة قضائية في البلاد، بشأن طعون الترشيح، وقالت إن من المستحيل تنفيذها. وأعلنت الهيئة حينها أن القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة تشمل العياشي زمال وزهير المغزاوي إضافة إلى قيس سعيد. واستبعدت كلًا من عبد اللطيف المكي، الأمين العام لحزب العمل والإنجاز وأحد قيادات حركة النهضة المنشقين عنها، والمنذر الزنايدي وهو وزير سابق بعهد الرئيس زين العابدين بن علي، وعماد الدايمي مدير ديوان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، من سباق الرئاسة ضاربةً عرض الحائط أحكام القضاء الإداري التي قضت بإعادتهم للسباق. علمًا أنّ العدد الإجمالي للمترشحين كان 17 مترشحًا.
وأثار قرار الهيئة لغطا كبيرا خاصة داخل أوساط المعارضة التي استنكرت تمرد هيئة الانتخابات على القضاء الإداري وعدم التزامها بالقانون خاصة في ظل إجماع كل من جمعية القضاة في تونس وعشرات من أساتذة القانون الدستوري وعمداء كليات حقوق على أن قرار الهيئة يهدد المسار الانتخابي ويمس بمصداقيته ونزاهته وسلامته، ويؤدي لاحقا إلى التشكيك في نتائج الانتخابات.
وفي الأثناء تواصل هيئة الانتخابات تسيير العملية الانتخابية وفق معايير يتضح تدريجيًا أنها وضعت على مقاس الرئيس قيس سعيد لتعبيد وصوله مجددًا لكرسي الرئاسة عبر استبعاد الاسماء ذات الثقل الانتخابي الكبير من جهة، وإرباك المرشحين الوحيدين المتبقين لمنافسته والذي تترجمه التتبعات القضائية التي تطال المرشح زمال بتهم يصفها محاموه بالجوفاء هدفها الوحيد إرباك حملته الانتخابية. وفي المقابل ما يزال القضاء الإداري يطالب بالتنفيذ الفوري لقراراته وإعادة المترشحين للسباق كما يقضي بذلك القانون.
ويقضي قرار هيئة الانتخابات عدد 18 لسنة 2014 المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية، في الفصل 24 بأن "تتولى الهيئة تنفيذ القرارات الصادرة عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية شرط توصلها بالقرار أو بشهادة في منطوقه"، وفي الفصل 25 بأن "يكون تنفيذ الأحكام أو القرارات بإدراج المترشح في قائمة المترشحين المقبولين نهائيًا أو بشطبه منها". كما ينص الفصل 41 من قانون عدد 40 لسنة 1972 المتعلق بالمحكمة الإدارية، صراحةً على أنّ الجهة الإدارية ملزمة بتطبيق قرار المحكمة الإدارية، وهو ما ينطبق على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي يجبرها هذا القانون بالالتزام بقرار المحكمة الإدارية في ما يتعلق بالمترشحين الذين قبلت طعونهم من القضاء العدلي. كما تجدر الإشارة إلى أن القضاء العدلي هو أكثر المؤسسات القضائية التي تحظى بمصداقية واسعة في تونس بسبب عدم انزلاقها في السجالات السياسية حتى في أحلك الفترات التي مرت بها البلاد.
القاضي الإداري السابق والمحامي أحمد صواب قال لـ"عروبة 22": "البلاد تعيش معركة المعركة الانتخابية، ويبدو ظاهريا أن هيئة الانتخابات قد انتصرت فيها عندما رفضت تطبيق القانون. لكن في الواقع هناك معركة خطيرة جدًا قادمة على الأمن العام وعلى الانتخابات، لأنّ النزاعات التي تحسمها المحكمة الإدارية ما زالت متواصلة. وأقصد هنا خاصة نزاعات نتائج الانتخابات حيث يحق لكل مترشح قانونيًا الطعن في النتائج. وفي هذه النقطة تحديدًا بإمكان المترشحين الذين أقصتهم الهيئة بعد أن أنصفهم القضاء الإداري أو أحدهم أن يطعنوا في نتائج الانتخابات ويتمسكوا بأنّ لهم مبدئيًا صفة المترشح لكن لم ترد أسماؤهم في النتائج، وهذا وارد. وفي حال حدوث هذا الأمر ستواجه البلاد زلزالًا كبيرًا".
وفي خضم هذا السجال الذي لم ينتهِ بعد، قرر بعض المترشحين الذين أنصفتهم المحكمة الإدارية القيام بحملتهم الانتخابية على غرار المترشح عماد الدايمي. حيث أعلن الأخير أنه سينطلق في حملته الانتخابية. ومن المتوقع أن تثير هذه الخطوة إرباكًا كبيرًا لهيئة الانتخابات التي بات يتهمها أغلب المترشحين والمعارضة بعدم الاستقلالية وإقصاء أهم المترشحين تنفيذًا لإرادة قيس سعيد لا سيما وأنّ سعيد هو من عيّن أعضاءها ولم يتم انتخابهم.
كما خرج الجمعة الماضي الآلاف غالبيتهم من الشباب للاحتجاج على الوضع الراهن برمته واتجاه البلاد نحو نظام استبدادي والاستهداف الممنهج لكل أصحاب الرأي المخالف أو الناقد للسلطة وذلك قبل أقل من شهر من موعد الانتخابات الرئاسية. وهي خطوة تحمل في طياتها رسائل خاصة لقيس سعيد الذي يعتقد أنّ شعبيته لم تهتز.. في حين أنّ الآلاف الذين نزلوا لشارع حبيب بورقيبة بالعاصمة كانت أغلب شعاراتهم ضد سياسة قيس سعيد بل إن بعضها ينادي برحيله.
(خاص "عروبة 22")