المصالح تفصيلًا هي، أولًا؛ طبيعة العلاقة العضوية بين دول القرن الـفريقي، وأهمها بترتيب الأهمية من زواية التأثير على المصالح العربية والدولية هي (إرتيريا، جيبوتي، الصومال، وإثيوبيا) وذلك لاعتبارات ثلاثة متعلقة أولًا بالعلاقة المباشرة بالممرات البحرية الدولية بتداعياتها على حركة التجارة وتصدير النفط وعوائد قناة السويس. وثانيًا؛ بالعلاقة بمصادر المياه العذبة وأهمها نهر النيل وطبيعة تأثيراته على كل من مصر والسودان. وثالثًا؛ ما هو مرتبط بمصالح دول الخليج العربي خصوصًا في مجالي استثمار فوائض النفط أو سد الفجوة الغذائية في هذه الدول.
في هذا السياق، فإنّ التفاعلات الأخيرة المترتبة على الجنوح الإثيوبي نحو امتلاك قوة بحرية عسكرية في البحر الأحمر، على الرغم من كون إثيوبيا باتت دولة حبيسة منذ ١٩٩٣ بعد استقلال إرتيريا، قد قادت إلى جملة من التطورات تعد مقلقة لحالة الاستقرار الإقليمي الهشة في منطقة القرن الأفريقي.
الصراعات العربية أفضت إلى ضعف النظام العربي وصعود قوى إقليمية أخرى على حساب مصالحه
هذه التطورات تفصيلًا هي الوعد بتقديم اعتراف باستقلال أرض الصومال عن الدولة الأم الصومال الكبيرة في خطوة لم يقدم عليها أحد في العالم، وحازت على استياء أمريكي وعربي، باعتبار أنّ ذلك مهدد لوحدة التراب الوطني الصومالي الذي يعني تفتيته تصاعد حدة الصراعات في الصومال وليس تحجيمها.
الخطوة الإثيوبية ترتب عليها تحرك صومالي تجاه مصر والجامعة العربية اللتين تفاعلتا مع هذا التطور لدعم الصومال باعتبارها دولة عربية، وبدأت القاهرة عملية إسناد عسكري مزدوجة الأهداف منها ما يرتبط بمواجهة الجماعات الإرهابية في الصومال تحت مظلة بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، ومنها ما يرتبط بدعم قدرات الجيش الصومالي للقيام بمهامه في حماية وحدة أراضي بلاده وسلامتها.
في المقابل لجأت أديس أبابا للتصعيد في الإقليم كعادتها وليس التهدئة بأمرين؛ دعم أرض الصومال في تأكيد تهديداتها الانفصالية ضد مركز الدولة في مقديشيو، ورفض انسحاب قواتها العسكرية المبرمج من الصومال بعد انتهاء فترة عمل بعثة (آميصوم) التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال، وكذلك إعادة الانتشار لهذه القوات خصوصًا في مطارات إقليم جيدو في جنوب غرب الصومال وهي القريبة من مناطق تمركز تنظيم "شباب المجاهدين" التابع لـ"القاعدة" في الصومال.
الرد المصري على التصعيد الإثيوبي في الصومال كان زيارة من قطبي الأمن والدبلوماسية المصرية - مدير المخابرات ووزير الخارجية - إلى إرتيريا للتنسيق معها تحت مظلة خلافات إثيوبية إرتيرية أسفرت عن إغلاق خط الطيران المباشر بين البلدين.
وقد أعقب هذه الخطوة زيارة من الرئيس أسياسي أفورقي إلى جنوب السودان، حيث تملك جنوب السودان جوارًا مباشرًا مع إِثيوبيا في مناطق جمبيلا.
الخطوة الإثيوبية في التصعيد سبقها تفاعل سياسي قامت به وزيرة الدفاع الإثيوبية عائشة محمد موسي لكل من المغرب ودولة الإمارات في خطوة وإن كانت تستهدف خلط الأوراق من جانب إثيوبيا ولكنها أيضًا تكشف عن حجم العلاقة العضوية المؤثرة بين دول القرن الأفريقي والإقليم العربي المتاخم.
في ضوء هذه التفاعلات المتوترة يكون التساؤل ما هو مستقبل هذه التفاعلات من ناحية.. وهل من إمكانية لخفض مستوى التوتر تحت مظلة الخبرة العربية التي اكتسبناها خلال الثلاث عقود الماضية في أنّ الصراعات العربية قد أفضت إلى ضعف النظام العربي برمته وصعود قوى إقليمية أخرى على حساب مصالحه خصوصًا إيران وتركيا.
ضرورة إدراك النظام العربي لمصالحه الكلية حتى يملك مستقبلًا أفضل
في الشق الأول هناك من يتوقع أن تكون هناك مواجهات بين مصر وإثيوبيا على الأراضي الصومالية، وإذا كنتُ لا أنحاز لهذا السيناريو لاعتبارات مرتبطة بأنّ القاهرة لا تهدف إلى علاقات صراعية تستنزفها عسكريًا وسياسيًا وتحاول تجنبها دومًا، إلا أنّ الانزلاق ممكن بالتأكيد إذا تم تصعيد مستويات التوتر.
أما عن إمكانية خفض مستوى التوتر فهي مسؤولية عربية في المقام الأول مهما ضعفت الوشائج بين الدول العربية في هذه الآونة أو برزت مصالح متناقضة بين وحدات النظام العربي، وذلك أنّ بعض هذه المصالح زائف وذو تكلفة عالية من حيث المخاطرة أو حسابات التكلفة والعائد على الصعيد الاستراتيجي العربي، وكذلك على صعيد التكلفة الأخلاقية ولعل مشهد الحرب السودانية بتكاليفه الباهظة على كافة الصعد، خصوصًا الإنسانية، خير شاهد على ما نذهب إليه من ضرورة إدراك النظام العربي لمصالحه الكلية حتى يملك مستقبلًا أفضل يليق به وبنا كبشر في الوطن العربي.
(خاص "عروبة 22")