تملك مصر عددًا كبيرًا من المناطق التي يبدأ اسمها بكلمة رأس، مثل رأس البر، ورأس الحكمة، ورأس علم الروم على الساحل الشمالي. ورأس محمد، ورأس جميلة، ورأس السبيل، ورأس أبو دربة، ورأس أبو رديس، ورأس سدر على الشواطئ الجنوبية لسيناء على خليجي السويس والعقبة. ورأس أبو درج، ورأس حمسة، ورأس غارب، ورأس حدرية، ورأس الديب على ساحل مصر المطل على البحر الأحمر. والغالبية الساحقة منها مناطق متميزة.
كل "الرؤوس" معرضة للقطع!
وبما أنّ الحكومة بدأت في بيع الأصول العامة الطبيعية وعلى رأسها قطع من أرض الوطن، فإنّ كل الرؤوس المتميّزة معرّضة للبيع للأجانب بالأساس، إذا لم يتم إيقاف هذه السلطة عن عمليات البيع تلك التي تشكل تهديدًا لجغرافية الوطن وسيادة الدولة.
وتلجأ السلطة لتلك البيوع لأنه لا يوجد في جعبتها أي حلول، ولا تقبل بأي حلول مقترحة عليها لمعالجة أزمة الديون الهائلة التي ورطت مصر فيها (168 مليار دولار ديون خارجية في يناير الماضي، و15 تريليون جنيه ديون محلية في العام المالي الحالي)، وبالتالي تلجأ لبيع الأصول الطبيعية المتمثلة في أرض الوطن.
تصبح الحكومة كمن باع بيته وأرضه ليموّل إنفاقه ليصبح في العراء عندما يستنزف إيرادات البيع
ويتعلق البيع الجديد بـ"رأس بناس" في جنوب الساحل المصري على البحر الأحمر، ويتم التفاوض مع الهيئة السعودية للبحر الأحمر لشرائها. وتلك المنطقة مساحتها 200 مليون متر مربع، وهي عبارة عن لسان يبلغ طوله 50 كيلومتر داخل البحر الأحمر وجزر صغيرة مع مياه فيروزية وشعب مرجانية بكر، إنها باختصار واحدة من منح الطبيعة لمصر، والتي تملك جمال وميزات استثنائية.
مطامع أمريكية لم تنلها وقاعدة مصرية كبرى في المنطقة فلماذا البيع؟
كانت الولايات المتحدة طامعة في وضع قدم لها في المنطقة أو بناء قاعدة عسكرية أمريكية بها، أو على الأقل الحصول فيها على تسهيلات لأساطيلها الحربية التي تتجول في المنطقة وتشكل علامة على نزوعها الإمبريالي للهيمنة على المنطقة كما هو الحال في غالبية مناطق العالم.
وسمح لها الرئيس السادات باستخدام المنطقة في حالة تعرض مصر والولايات المتحدة لخطر مشترك، وليس للأغراض الأمريكية الخاصة، بينما رفض مبارك منح الولايات المتحدة أي تسهيلات أو حق استخدام للمنطقة لأنه كان يدرك أنها لو دخلت إليها سيكون من الصعب إخراجها.
وقد تم تحديث قاعدة عسكرية مصرية بها في الوقت الراهن، وهو ما يضاعف أسباب رفض بيع تلك المنطقة المجاورة لها ذات الأهمية الاستراتيجية.
كرة الثلج تتعاظم وتأخذ كل شيء في طريقها
صرح وزير الإسكان بأنّ السعر المستهدف لرأس بناس هو 2 تريليون جنيه، أي ما يعادل 41 مليار دولار. وهذا الرقم يفوق ما كان وزير المالية السابق يتوقع بيعه في 4 سنوات في إطار شرحه لوثيقة سياسة ملكية الدولة التي هي عبارة عن مخطط عملاق لخصخصة الملكيات العامة سواء كانت الطبيعية، أو تلك التي صنعها الإنسان، علمًا بأنّ الأصول الطبيعية المتمثلة في أرض الوطن تمت حمايتها في العهد الملكي بقانون صدر في فبراير 1951 بحظر اكتساب الأجانب من الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين لملكية الأراضي الزراعية والأراضي القابلة للزراعة والأراضي الصحراوية بالمملكة المصرية، وأكد عبد الناصر قدسيتها بالقانون رقم 15 لعام 1963 الذي حظر تملك الأجانب للأراضي الزراعية وما في حكمها من الأراضي البور والصحراوية وأيلولة ما يملكونه من هذه الأراضي إلى الدولة المصرية. وهذا الأمر يؤكد أنّ كرة الثلج التي صنعتها وثيقة سياسة ملكية الدولة، قد تضخمت وتجاوزت المعلن فيها وستأخذ كل شيء في طريقها طالما أنّ الحكومة بلا رادع.
وثيقة سياسة ملكية الدولة.. أصل البلاء
لمن لا يذكر فإنّ وثيقة سياسة ملكية الدولة التي طرحتها الحكومة في صيف عام 2022، هي أصل البلاء، حيث تهدف بشكل واضح إلى تخارج الدولة من الأصول المملوكة لها سواء من الإدارة أو الملكية، أي خصخصة الأصول العامة ونقل ملكيتها وإدارتها للغير.
مصيبة تنوي المؤسسات المالية الدولية توريط مصر فيها لتقييد إرادتها وتعميق أزمة مديونيتها
والحقيقة أنّ بيع ما بنته الحكومات والأجيال السابقة يحقق عائدًا ماليًا دفعة واحدة للحكومة، وبعد ذلك لا يكون لديها عائد أو إيراد بعد أن بددت الأصول. وتصبح الحكومة كمن باع بيته وأرضه ليموّل إنفاقه الجاري والآني، ليصبح في العراء بلا بيت أو أرض عندما يستنزف إيرادات البيع. أما بيع الأرض فإنه يمس جغرافية وسيادة الدولة، والبديل هو صيانة الأصول الطبيعية والأصول التي بنتها الحكومات السابقة وتطويرها واستثمارها من خلال الدولة المدنية، وجعلها مصدرًا قويًا وثابتًا للدخل وللفائض المحوّل للموازنة العامة للدولة.
وصرح وزير المالية وقتها بأنّ المستهدف هو خصخصة 79 مجالًا استثماريًا. وأشارت الوثيقة إلى أنّ هناك فجوة في تمويل مشروعات البنية الأساسية قدّرها البنك الدولي بنحو 230 مليار دولار أي أكثر من 11 تريليون جنيه بأسعار الوقت الراهن، وهو مؤشر على المصيبة التي تنوي المؤسسات المالية الحكومية الدولية وكيلة الرأسمالية العالمية، توريط مصر فيها لتقييد إرادة مصر وتعميق أزمة مديونيتها الخارجية والداخلية. أما حديث الوثيقة عن ضمان عدالة المنافسة في سوق الأعمال المصرية فإنه يستحق مقالًا منفردًا عن تلك العدالة المفقودة فعليًا!.
(خاص "عروبة 22")