صحافة

"المشهد اليوم"... الغارات الإسرائيلية تتوسّع و"بنك الأهداف" يتمدّد

تتسارع الأحداث في لبنان دون أن يبرز في الأفق أي حلول أو تسوية يمكن أن تضع حداً لتصرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يمضي في تنفيذ مخططاته دون أي هوادة. في وقت تترقب الساحة الداخليّة والمنطقة من سيخلف الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله لتحديد معالم المرحلة المقبلة إضافة إلى التكهنات والتساؤلات بشأن موقف طهران التي لا تزال تنأى بنفسها عن ساحة الصراع على حساب تصفية الجماعات المحسوبة عليها في المنطقة.

إزاء هذا المشهد، سلطت الصحف العربية الصادرة اليوم الضوء على غياب المبادرات الديبلوماسيّة عن الساحة حتى اللحظة، فيما تتصاعد العمليات العسكرية الاسرائيليّة التي تحصد المزيد من الضحايا الذين وصل عددهم أمس، الأحد، الى 109 أشخاص وإصابة 364 آخرين بعدما تزنرت المناطق اللبنانية بالنار وارتكب الاحتلال مجازر متنقلة بين بعلبك والبقاع والجنوب وتحديداً في منطقة عين الدلب، شرقي مدينة صيدا عندما قصف بناية سكنية على رؤوس قاطنيها.

هذه التطورات تتزامن مع استمرار عمليات الاغتيالات "الدقيقة" لقيادات من الحزب، الا ان اللافت أمس هو الاستهدافات التي طالت "الجماعة الاسلامية" وأدت الى مقتل القيادي البارز فيها محمد دحروج. وعند منتصف الليل تعرضت العاصمة بيروت، لأول استهداف من نوعه منذ حرب تموز 2006، حيث تم قصف مكتب "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" ما أدى الى مقتل 3 من قيادييها وسط حالة من الذعر والخوف في منطقة حيوية تشهد اكتظاظاً سكنياً كبيراً.

وتوحي الاستهدافات بأن "بنك أهداف" اسرائيل بدأ يتمدد ليشمل حلفاء لـ"حزب الله" أو منضويين تحت رايته، في حين يغيب مصطلح "المناطق الآمنة" بسبب توسع العمليات التي تسبب المزيد من الخراب والدمار وتهجر المدنيين الذين تجاوز عددهم المليون نازح، في أكبر موجة نزوح عرفها لبنان ولم يشهدها من قبل، وفق الحكومة اللبنانية.

وكان "حزب الله" قد نعى أمس المزيد من القيادات التي سقطت في الغارات الإسرائيليّة ومنها علي كركي، مسؤول قيادة جبهة الجنوب في معركة الإسناد، والشيخ نبيل قاووق قائد وحدة الأمن الوقائي الذي قضى في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية يوم السبت. بالتزامن، أعلن الجيش الإسرائيلي عن مقتل قادة آخرين في الحزب وتداول الأسماء والمناصب التي يشغلونها، دون أي تأكيد رسمي من جانب الحزب حتى الساعة.

وبينما لم تحدد مراسم تشييع نصرالله بعد، وصل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى لبنان، ليكون أول دبلوماسي أجنبي رفيع يزور لبنان منذ تكثيف الغارات الإسرائيليّة. وتزامَن وصوله مع إعلان مقتل مواطن فرنسي ثانٍ بسبب الضربات، في ظروف لم تتّضح بعد. ومن المتوقع أن يجري بارو سلسلة من اللقاءات مع المسؤولين اللبنانيين محاولاً إعادة طرح المسار الديبلوماسي وفق مساعي تبذلها باريس مع أطراف دولية وعربية آخرى للحدّ من تفاقم الأوضاع وتدهورها.

وفي هذا الإطار، جدد الرئيس الأميركي جو بايدن دعوته الى "تجنب حرب شاملة في الشرق الأوسط"، فيما اعتبر مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي "أن التصعيد نحو حرب شاملة لن يمكّن إسرائيل من تحقيق الهدف الذي أعلنته وهو إعادة نازحي الشمال إلى بيوتهم". وأضاف: "إن بلاده تراقب ما ستفعله إيران، وأنها مستعدة للدفاع عن نفسها وعن إسرائيل".

أما الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان فتوعّد "المجتمع الدولي بالرد المناسب، إذا لم يوقف إسرائيل". بدوره، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي أن اغتيال نصرالله ونائب قائد عمليات الحرس الثوري عباس نيلفوروشان "لن يمر دون رد"، محذراً من خطر نشوب حرب شاملة في المنطقة.

وعلى الصعيد الميداني، أطلق "حزب الله" المزيد من الرشقات الصاروخية التي وصل مداها إلى منطقة تل أبيب الكبرى، بينما دوت صافرات الإنذار مراراً في أكثر من 100 بلدة إسرائيلية من حيفا حتى الحدود الشمالية مع لبنان ومستوطنات الجولان المحتل، مترافقة مع أسراب من الطائرات المُسيّرة المفخخة، مما أجبر نحو 3 ملايين إسرائيلي على البقاء قرب الملاجئ والغرف المحصنة.

ومع التعتيم الاعلامي الاسرائيلي على الخسائر البشرية والمادية، أعاد نتنياهو الحديث عن "تغيير توازن القوى بما يجلب معه احتمالاً بتحالفات جديدة في المنطقة لأن إسرائيل حينئذ تنتصر". وقال: "كما هو مكتوب في التوراة سألاحق أعدائي وسأقضي عليهم". وكان نتنياهو أعلن عن توسيع ائتلافه الحكومي وضم النائب المعارض والوزير السابق جدعون ساعر إليه.

وفي إطار متصل، ذكرت وسائل إعلام سورية أن غارة إسرائيليّة استهدفت موقعاً في القصير بريف حمص وسط سوريا. ويعد هذا الاستهداف الثاني للحدود السورية - اللبنانية مع استمرار تركيز الغارات الجوية على المعابر للحدّ من تحركات الحزب ونقل أسلحته.

الى ذلك، شنّ الجيش الإسرائيلي العشرات من الغارات على أهدافٍ في اليمن شملت ميناء ومطار الحديدة، رداً على الهجمات الحوثية بالصواريخ الباليستية على تل أبيب. في حين، نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن مصادر أن الجيش نفذ أقوى ضربة ضد الحوثيين في اليمن منذ بداية الحرب، وأنها تجاوزت من حيث الأهمية ضربة الحديدة في يوليو/تموز الماضي.

وأمام هذه التطورات المتصاعدة، أعلن الجيش الأميركي عن تعزيز قدرات الدعم الجوي في الشرق الأوسط ووضع بعض قواته على أهبة الاستعداد للانتشار في المنطقة، فيما حذر إيران من توسيع نطاق الصراع.

وفي جولة الصحف العربية اليوم:

تحدثت صحيفة "اللواء" اللبنانية عن مرحلة ما بعد اغتيال نصرالله عسكرياً وسياسياً، حيث قالت: "المرحلة المقبلة ضبابية سياسياً ومعقّدة وليست سهلة عسكرياً... لأن  إسرائيل ستحاول كما قال نتنياهو "التفاوض تحت النار" وتصعيد الاعتداءات أو مواصلتها ولو بوتيرة أقل، بهدف دفع "حزب الله" الى تقديم تنازلات في الجنوب، أولاً على صعيد وقف حرب إسناد غزة، وثانياً على صعيد الترتيبات التي يمكن أن تتخذ في الحدود الجنوبية".

واعتبرت صحيفة "الصباح" العراقية أن "هذه الحرب التي إذا كانت إسرائيل امتلكت بدايتها فإنَّها لا تستطيع التحكم بإنهائها؛ لأنَّ الحرب على لبنان لن تكون كالحرب على غزة، فما خفي فيها أعظم"، مشيرة إلى أن "الاجتياج البري للجنوب اللبناني لن يكون مسرحاً خالياً من المواجهة كما القصف الجوي.. فهناك من الاستعداد للمواجهة فوق الأرض وتحتها الكثير"، وفقاً لتحليلاتها.

أما صحيفة "الوطن" القطرية، فرأت أن "الأحداث والتطورات التي تشهدها المنطقة بفعل الاعتداءات الإسرائيلية الواسعة، والتي أحالت غزة إلى ركام، والاعتداء الواسع الذي يتعرض له لبنان، تؤكد على الحاجة إلى خطوات ملموسة من جانب المجتمع الدولي لإعطاء الفلسطينيين الأمل في أن مشروع الدولة المستقلة لم يمت، وأن حل الدولتين ليس مجرد خطاب بلا مضمون".

وكتبت صحيفة "الأهرام" المصرية، تحت عنوان "استقرار لبنان والمنطقة في خطر"، أن ما يحدث يطرح دلالتين رئيسيتين: تتمثل الأولى، في أن الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل لن تتراجع عن تنفيذ أجندتها. وتتصرف الثانية، إلى أن إسرائيل تبدو مطمئنة إلى أن المجتمع الدولي لن يمارس ضغوطاً عليها من أجل وقف تنفيذ ما تسعى إليه رغم ارتكاب المجازر والانتهاكات".

بدورها، لفتت صحيفة "عكاظ" السعودية، في مقال، إلى أن "حالة الذهول والصدمة لا تزال تسيطر على مشاهد تحليل ما حصل في لبنان من تصفية "جراحية" دقيقة جدّاً ومتكاملة للغاية مكّنت إسرائيل من القضاء على هيكلة تنظيم "حزب الله" بالكامل". وتابعت: "الحديث لا يزال مستمراً لفهم حجم الاختراق المهول الذي حصل في "النخاع الشوكي" لمنظومة الحزب وهناك من يفضل أن يصف ما حصل بمسمى آخر وأكثر صرامة مسمى الخيانة".

وفي سياق آخر، أشارت صحيفة "الخليج" الإماراتية إلى أن "خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أيام، حمل مجموعة كبيرة من التحديات الخارجة على أعراف وتقاليد المجتمع الدولي، ومن بينها هجومه الحاد على المنظمة الدولية نفسها"، مؤكدة "أنه ليس الهجوم الأول من نوعه، إلا أنه يكشف، هذه المرة، ما وصلت إليه الغطرسة الإسرائيلية في تعاملها مع أعلى هيئة دولية في النظام العالمي القائم".


(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن