قضايا العرب

السياسات الأوروبية المتشددة تفاقم معاناة المهاجرين: أين المفرّ؟

باريس - مزن مرشد

المشاركة

على مدى السنوات الأخيرة، تبنت العديد من الدول الأوروبية سياسات أكثر صرامة تجاه المهاجرين وطالبي اللجوء، مما أدى إلى تغيير جذري في حياة العديد منهم.

السياسات الأوروبية المتشددة تفاقم معاناة المهاجرين: أين المفرّ؟

هذه السياسات، التي تتراوح بين تقييد الوصول إلى الخدمات الأساسية، وزيادة إجراءات الترحيل، وحتى إغلاق الحدود أمام موجات جديدة من الهجرة، أثرت بشكل مباشر على حياة واستقرار آلاف الأُسر التي تبحث عن الأمان والفرص في أوروبا.

في عام 2021، أعلنت الحكومة الفرنسية عن قانون جديد للهجرة يهدف إلى تسريع إجراءات اللجوء والترحيل، وبموجب هذا القانون، أصبح لطالبي اللجوء فترة زمنية قصيرة لتقديم جميع المستندات المطلوبة، وإلا يواجهون خطر الترحيل الفوري.

النتائج المباشرة للسياسات الجديدة

سعاد أبو عابد، وهي مهاجرة فلسطينية سورية، استطاعت أخيرًا أن تصل إلى فرنسا عام 2019 بعد سنوات من الشتات بين عدة دول نظرًا لصعوبات وضعها كفلسطينية سورية (لا تحمل الجنسية السورية)، فهي لا تطمح سوى أن تستقر في بلد لا تواجه فيه ما واجهته من إشكالات قانونية طول فترة حياتها، باحثة عن الأمان ووطن بديل لا أكثر.

تقول سعاد لـ"عروبة 22": "كنتُ أعتقد أنني سأجد الأمان هنا، لكن عملية اللجوء أصبحت معقدة للغاية. قدمت كل ما طلبوه، لكنهم طلبوا المزيد من الوثائق التي يستحيل على من هي في وضعي أن تحصل عليها، الآن، أخشى أن يتم ترحيلي في أي لحظة، ولا أعلم سأرحل إلى أين".

سعاد ليست وحدها، بل يتعرض العديد من المهاجرين الذين يصلون إلى فرنسا لصعوبات مماثلة في تقديم الطلبات في المواعيد المحددة، مما يزيد من احتمالية ترحيلهم، حتى لو كانت أوضاعهم تستدعي الحماية الدولية.

أما ألمانيا التي كانت في السابق إحدى أكثر الدول ترحيبًا بالمهاجرين، فتتزايد فيها اليوم عمليات الترحيل وتفكيك الأُسر، إذ شهدت أيضًا تشديدًا في سياسات الهجرة بعد أزمة اللاجئين في 2015، ومنذ ما يقارب الثلاث سنوات كثّفت الحكومة الألمانية عمليات الترحيل، خاصة للأشخاص الذين رُفضت طلبات لجوئهم.

وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن منظمة العفو الدولية، تم ترحيل ما يزيد عن 10,000 شخص في 2022 وحدها، مما أدى إلى تشتت العديد من الأُسر.

يًحدثنا أحمد الهاشم، وهو مهاجر سوري في برلين، ليروي تجربته لـ"عروبة 22": "كنتُ أعيش مع زوجتي وأطفالي هنا، بعد رحلة طويلة وصعبة للوصول إلى بر الأمان، وعندما رُفض طلب لجوئي، تم اعتقالي ليلًا ومن ثم ترحيلي إلى تركيا - البلد الذي أتيتُ منه - وبقيت عائلتي في برلين. أنا الآن بعيد عنهم ولا أستطيع العودة. لا أعرف متى سنجتمع مرة أخرى".

هذه السياسات خلقت حالة من القلق والخوف الدائمين بين المهاجرين، بحيث يعيشون يوميًا تحت تهديد الترحيل، حتى أولئك الذين يعيشون في أوروبا منذ سنوات ويعملون بشكل قانوني.

إيطاليا وإغلاق الحدود أمام سفن الإنقاذ

في إيطاليا، التي تُعتبر نقطة عبور رئيسية للمهاجرين القادمين من شمال أفريقيا عبر البحر الأبيض المتوسط، اتُخذت في السنوات الأخيرة مواقف صارمة تجاه الهجرة غير الشرعية، فقد بدأت الحكومة الإيطالية منع سفن الإنقاذ الإنسانية من الرسو في موانئها، مما أدى إلى زيادة أعداد المهاجرين الذين يلقون حتفهم أثناء محاولتهم عبور البحر.

خلود، التي كانت من بين الناجين من محاولة عبور فاشلة للبحر في 2022، تقول لـ"عروبة 22": "ركبنا قاربًا صغيرًا وكان معنا حوالى 50 شخصًا. كنا في البحر لمدة ثلاثة أيام دون ماء أو طعام. عندما رأينا سفينة إنقاذ تقترب، شعرنا بالارتياح، ولكن بعد ساعات من الانتظار، لم يُسمح لهم بأخذنا إلى إيطاليا. في النهاية، تم إنقاذنا، ولكن على الفور جرى ترحيل بعضنا إلى ليبيا، وهناك الأوضاع أسوأ بكثير".

سياسة إغلاق الحدود أمام سفن الإنقاذ كانت محل انتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية، التي اعتبرت أن هذه الخطوات تعرّض حياة المهاجرين للخطر وتجعلهم عرضة للمهرّبين والمجرمين.

أزمات نفسية للمهاجرين

التشديد على سياسات الهجرة لا يؤثر فقط على الجوانب القانونية، بل يمتد ليشمل الصحة النفسية للمهاجرين. العديد منهم يعيشون في حالة من القلق الدائم بسبب عدم الاستقرار القانوني والخوف من الترحيل.

بارجين كومجيان، مهاجرة سورية في فرنسا، من أصول أرمنية، تعاني من اكتئاب حاد نتيجة عدم اليقين بشأن مستقبلها وتصف حالها بـ"المغدورة"، فقد مرت بالكثير من الصدمات في سوريا، لكن الوضع هنا بالنسبة إليها لم يكن أفضل.

تقول بارجين لـ"عروبة 22": "لا أستطيع أن أستقر أو أبدأ حياةً جديدة لأنني دائمًا أخشى أن يتم ترحيلي. هذه الحياة التي أعيشها الآن ليست الحياة التي كنت أتطلع إليها وأحلم أن أعيشها باستقرار".

وفقًا لدراسة أجرتها منظمة أطباء بلا حدود منتصف العام الجاري، فإنّ الصحة النفسية للمهاجرين تتدهور بشكل ملحوظ عندما يواجهون ضغوطًا قانونية متزايدة وعدم اليقين بشأن مستقبلهم. القلق المستمر يساهم في ارتفاع معدلات الاكتئاب والاضطرابات النفسية بينهم.

السياسات الأوروبية المتشددة تجاه الهجرة لا تؤثر فقط على الأرقام والإحصاءات، بل تحمل تبعات إنسانية عميقة تؤثر على حياة الأفراد وأُسرهم. من تفكيك الأُسر إلى إغلاق الحدود أمام المهاجرين الفارين من الحروب والاضطهاد، فيجد العديد من المهاجرين أنفسهم عالقين في واقع صعب بين حلم الأمان والخوف من المستقبل المجهول.

يبقى السؤال مطروحًا حول كيفية التوفيق بين السياسات الأمنية وضمان حقوق الإنسان في ظل تصاعد التحديات الإنسانية العالمية، والمستجدات الدامية اليومية في منطقتنا العربية، وبخاصة في ظل ما يحدث اليوم في فلسطين ولبنان واستمرار الأوضاع الأمنية المتردية في سوريا، ما ينبئ بموجة لجوء قد تكون مشابهة لتلك التي شهدها العام 2015.. فأي مصير ينتظر هؤلاء وإلى أين المفرّ؟.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن