إعلان في الشرق عن الاتفاق بين مجلسي النواب والدولة على تعيين ناجي عيسى محافظاً للبنك المركزي الليبي خلفاً للصديق الكبير الذي تمت إقالته من قبل المجلس الرئاسي، وضع حداً للأزمة المستفحلة التي استمرت ستة أشهر. وأقيمت مراسيم توقيع الاتفاق في مقر بعثة الأمم المتحدة بالعاصمة طرابلس بين ممثلين عن مجلس النواب (شرق) وعن المجلس الأعلى للدولة (طرابلس)، بحضور ممثلين عن الأطراف الليبية الفاعلة وعدد من الدبلوماسيين الأجانب. في حين هاجم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي جميع الفرقاء في ليبيا وتحميلهم مسؤولية ما يحدث في البلاد.
الوضع الليبي يزداد تعقيداً بعد أن بلغ التدخل الخارجي في أزمات ليبيا أمراً غير مسبوق، حتى أن المراقب للشأن الليبي لم يعد قادراً على تصنيف هذه الجهة السياسية أو تلك نتيجة المواقف المتقلبة التي تتغير بوتيرة تغير المصالح. وهذا يحدث شرق البلاد وغربها.
والفرقاء الليبيون من شرق البلاد إلى غربها يتحدثون عن مصالح الشعب الليبي، لكن لا أحد منهم يعمل على أن يمنح هذا الشعب حقه في اختيار من يحكمه، والدليل أنه منذ إلغاء انتخابات 2021 في آخر لحظة، والطبقة السياسية الليبية هي التي تمنع التوجه لانتخابات عامة تعيد توحيد مؤسسات الدولة وتنهي سنوات الفوضى. وهذه الطبقة في واقع الأمر ليست ذات سلطة مستقلة فهي تأتمر بأوامر الخارج وتنفذ كل ما يطلب بحسب نفوذ هذه القوة الدولية ومصالحها في ليبيا، وغير ذلك هو مجرد ضحك على الذقون.
فعلى سبيل المثال كانت إقالة الصديق الكبير محافظ المركزي الليبي قد تمت بين الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ولكن الدبيبة عاد للتحالف مع حفتر لتعيين المحافظ الجديد ناجي عيسى، والذي تم الاتفاق عليه بين مجلسي الدولة والنواب، وهذان المجلسان إضافة إلى حفتر يعملان على تنحية الدبيبة وتعويض حكومة الوحدة بحكومة انتقالية، حتى إن السفير الأمريكي وبعد مشاورات مع الشرق بات يتحدث عن ضرورة تعيين حكومة جديدة، حيث قال في تصريح له: "لا بد من تعيين حكومة انتقالية في ليبيا تضمن الشفافية والمحاسبة"، وهذا يعني أن واشنطن سحبت البساط من تحت عبد الحميد الدبيبة.
وفي الشرق تحالف حفتر مع الروس ومكنهم من قواعد عسكرية لما يسمى "الفيلق الإفريقي" وهي القوة الروسية المشتغلة في إفريقيا أسوة بـ"الإفريكوم" الأمريكية، ولكن حفتر بات يلتقي مع الأمريكيين من خلال سفيرهم ريشتارد نورلاند وهيئاتهم العسكرية للتنسيق العسكري ودعم الجهود الأمنية، علماً أن الأمريكيين ينشرون قوات عسكرية ويعملون على تشكيل تحالف عسكري في الغرب الليبي شبيه بالقوة الروسية ما دفع مراقبين ليبيين للحديث عن أن هناك مواجهة روسية غربية قادمة على الأرض الليبية.
ولكن الأزمة الأخيرة المتعلقة بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي خلفاً للصديق الكبير، كشفت حجم التدخل الأمريكي والرغبة في السيطرة على الملف الليبي، وعدم إفساح المجال لأي قوة أخرى لأن تتدخل في ليبيا بما في ذلك حلفاء واشنطن الغربيين، وهذا سيخلق أزمة جديدة في العاصمة طرابلس.
محمّد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، أشار في خطابه في الجمعية العامة، إلى أن ليبيا عانت على مدى أكثر من عقد من الزمن الصراعات والحروب غير المبررة بين الأشقاء، "والتي غذتها تدخلات خارجية تسعى إلى إضعاف الدولة وتعميق الانشقاق والسيطرة على مواردها الطبيعية وقرارها السياسي والاقتصادي".
وأكد أن الانقسام المؤسسي الناتج عن "العرقلة الممنهجة لبعض الأطراف السياسية"، أدى إلى تفاقم الأزمة بشكل ملحوظ، وزاد من تعقيد المشهد السياسي "بداية من خلق أجسام موازية إلى تجميد وإلغاء الالتزام بالاتفاقات السياسية المبرمة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وصولاً إلى استخدام موارد الدولة كأداة للضغط السياسي، وآخرها محاولة العبث بالقضاء الليبي، الأمر الذي يجعل من واجبنا أن نتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقنا ونتدخل عندما يتعلق الأمر بأمن المواطن وقوته".
وقال رئيس المجلس الرئاسي الليبي: إن الحل السياسي الشامل في مساراته المالية والاقتصادية والأمنية، إضافة إلى مسار المصالحة الوطنية، "هو السبيل الوحيد لتوحيد المؤسسات وضمان الاستقرار وصولاً إلى الانتخابات وتجديد الشرعية لجميع المؤسسات وتقرير الشعب الليبي لمصيره". إلا أنه شدد على أن مشروع المصالحة الوطنية الذي يرعاه المجلس الرئاسي يسير بوتيرة بطيئة نتيجة للتطورات الأخيرة التي شهدتها البلاد "ومحاولة بعض الأطراف السياسية عرقلته بكل السبل".
وقال المنفي: إن الوقت قد حان للأطراف الليبية لتمد "جسور الوحدة لنجعل من تضامننا حجر الأساس لوطننا". وأضاف: "لن ننعم بخيراتنا وثروات وطننا طالما بقيت بذور الفتنة والشقاق تنمو بيننا، وإن وحدتنا هي المفتاح لاستقرارنا، وهي الأمل الذي سيحمل أبناءنا نحو مستقبل أفضل".
فهل يقدر الليبيون على وضع خلافاتهم جانباً، وأن يتصدوا لمشروع تقسيم بلادهم؟
(الخليج الإماراتية)