"دوامة موت" يمرّ بها لبنان بعد مرور أسبوعين على العدوان الاسرائيلي وفق تحذيرات أممية شبهت ما يجري بتلك التي عرفها قطاع غزّة على مدار عام كامل، مع تحذيرات من تفشي الأمراض والأوبئة وتراجع الأمن الغذائي واستهداف القطاع الصحي وكوادره وازدياد أعداد النازحين بشكل يفوق قدرة الحكومة اللبنانية على تحملها.
وعلى الرغم من المناشدة اللبنانية لتقديم المساعدات العاجلة التي لاقت آذاناً دولية وعربية مع استمرار وصول القوافل الاغاثية، يهاب لبنان الرسمي والشعبي من حصارٍ تفرضه اسرائيل رغم "التطمينات" التي وصلت بعدم استهداف مطار رفيق الحريري الدولي، ولكنها، وفق وزير الأشغال العامة اللبناني، لا ترقى الى مستوى "الضمانات".
وعليه، ركزت الصحف العربية الصادرة اليوم على الرد الاسرائيليّ المنتظر على ايران والأوضاع في لبنان وغزّة التي تنذر بأن "سلة" الحلول الديبلوماسية لا تزال متوقفة رغم محاولات بعض الدول إحيائها بهدف تجنيب المنطقة حرب اقليمية شاملة. ففي لبنان، برزت معطيات سياسية جديدة تمثلت بموقف نائب الامين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم الذي توعّد بتهجير المزيد من مستوطني الشمال، مؤكداً تفويض رئيس مجلس النواب نبيه بري ليعود ويشدد على "أنه لا محل لأي نقاش قبل وقف إطلاق النار"، دون التطرق الى الشروط الآخرى التي يضعها المجتمع الدولي كشرط اساسي لانطلاق المفاوضات.
وبعده بساعات خرج رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ليقول "إن قواته اغتالت الأمين العام للحزب حسن نصرالله وخليفته هاشم صفي الدين وخليفة خليفته (دون ذكر اسمه)، محذراً الشعب اللبناني "من أنه سيواجه دماراً ومعاناة أشبه بما يواجهه الفلسطينيون إذا لم يحرّر بلده من "حزب الله". وترافق هذا التحذير مع تصريحات أميركية حضت اللبنانيين على "كسر قبضة "حزب الله" على مقدرات بلدهم".
وفي وقت تتواصل المعارك البرية وتحتدم على أكثر من جبهة، حيث يخوض الحزب معركة وجودية هناك، تمثلت بإحباط محاولة تقدم قوة إسرائيليّة باتجاه منطقة اللبونة الحدودية واجبارها على التراجع. قال وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين إن الجيش احتل منطقة مارون الراس وهدم منازل أطلق منها "حزب الله" صواريخ باتجاه اسرائيل. ونشرت "هيئة البث الإسرائيلية" لقطات فيديو تظهر جنوداً إسرائيليين وهم يرفعون العَلم الإسرائيلي على أنقاض البلدة المدمرة قبل انسحابهم منها.
وكان "حزب الله" واصل استهداف تجمعات للجنود ومراكز عسكرية وأمطر مدينة حيفا وعدة مستوطنات بالجليل بأكثر من 105 صواريخ في هجوم هو الأكبر منذ بدء التصعيد، معلناً أنه نفذ 3194 عملية عسكرية ضد مواقع وأهداف إسرائيلية منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حتى اليوم.
وبينما أكد الاحتلال مقتل سهيل حسين حسيني، رئيس أركان "حزب الله" في غارة "دقيقة" على وقع استهدافه المستمر لضاحية بيروت الجنوبية. توزعت غارات يوم أمس بين بعلبك والبقاع حيث وقعت مجزرة في بلدة الخضر راح ضحيتها أكثر من 10 شهداء وعشرات الاصابات مع تهجير سكان أكثر من 90 بلدة وقرية جنوبية.
في سياق آخر، يتفاعل الحديث عن الرّد الاسرائيلي المرتقب على ايران وسط تصعيد كلامي بين الجانبين ودخول الولايات المتحدة الاميركية على خط التهدئة، حيث نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن "تل أبيب سترد على هجوم إيران، لكنها لن تفعل ذلك بطريقة تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة معها".
الى ذلك، ذكر مصدر دبلوماسي لـ"الشرق الأوسط" أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي سيصل إلى الرياض صباح اليوم، في زيارة يلتقي خلالها نظيره السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، حيث من المتوقع أن يكون ملفي غزة ولبنان على طاولة المناقشات.
وكانت القناة 12 الاسرائيلية، أشارت الى أن نتنياهو أبلغ وزير الدفاع يوآف غالانت بعدم موافقته على زيارته لواشنطن واضعاً شرطين للسماح بالزيارة، الأول يقضي بموافقة البيت الأبيض على إجراء مكالمة بينه وبين الرئيس الأميركي جو بايدن بعد أسابيع من القطيعة، أما الثاني فهو مصادقة الكابينت على العمليات العسكرية المستقبلية.
وفي فلسطين، أفادت وزارة الصحة بأن الاحتلال الإسرائيلي حاصر 3 مستشفيات في شمال غزة (كمال عدوان والإندونيسي والعودة)، مطالباً بإخلائها بالكامل. ولفتت الوزارة إلى أن "الاحتلال يسعى لإخراج المنظومة الصحية عن الخدمة لاستكمال تهجير سكان القطاع". يأتي ذلك بعد يوم دامٍ أودى بحياة أكثر من 40 شهيداً في مناطق متفرقة.
من جهتها، قالت صحيفة "هآرتس" إن اسرائيل تواجه خسائر اقتصادية جسيمة بسبب استمرار الحرب. وخلصت الى أن "نتنياهو قد يسعى لإعلان "النصر الكامل" في غزة، إلا أن الحقائق الاقتصادية تشير إلى أن هذا النصر قد يكون مكلفاً للغاية". فيما اعتبر المحلل السياسي لصحيفة "معاريف" أن "إسرائيل تعمل كمقاول للولايات المتحدة، وأن التحركات الإسرائيلية تخضع لحسابات ومصالح أميركية تتجاوز الإرادة السياسية في تل أبيب".
وفي دمشق، قُتل 9 أشخاص على الأقل وأصيب آخرون مساء أمس، جراء قصف جوي إسرائيلي استهدف حي المزة غرب العاصمة دمشق، وسط تسريبات إسرائيلية عن اغتيال عضواً رفيعاً في "حزب الله" ضالعاً في تهريب الأسلحة.
أبرز ما جاء في الصحف العربية اليوم:
لفتت صحيفة "عكاظ" السعودية الى أن "ازدياد حدة التوترات في المنطقة، ولا سيما بين إيران وإسرائيل، يمثل تهديدًا كبيرًا لاستقرار الشرق الأوسط، حيث تتجه الأمور نحو احتمال مواجهة شاملة قد تكون كارثية على المنطقة بأسرها. فالتصعيد المستمر قد يمتد أثره إلى دول الجوار ويعيد تشكيل خريطة التحالفات والتوترات في المنطقة"، على حدّ قولها.
وتناولت صحيفة "الغد" الأردنية الوجود الايراني حيث شددت على أن طهران "تعلم بأن القرار الدولي متخذ بإعادة ترتيب المنطقة، وبالتالي فهي تسعى للمحافظة على وجود أذرعها لأطول مدة زمنية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية ومحاولة فك العزلة الدولية عنها والمحافظة على بنيتها العسكرية والتحتية والسماح لها بالتوسع شرقاً في باكستان وافغانستان بعد ان تم قطع الطريق عليها في دول آسيا الوسطى كاذربيجان مثلاً.
من جهتها، رأت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "الاستقلال الذي حصلت عليه الدول العربية لم يكن يعني أن تضعف مؤسسات الدولة في (سوريا ولبنان واليمن والسودان والعراق وليبيا والكيان الفلسطيني) وتحل محلها قوة عسكرية تخطف قرارات الحرب والسلام". وأضافت: "انتهت الدولة الوطنية ولم يبق منها إلا هياكل ورقية تعجز عن اختيار رئيس أو حكومة لأن الميليشيات اغتصبت ثلثا من الأصوات يكفي لتعطيل كل القرارات الخاصة بالدولة وأمنها وتنميتها ورخائها".
وبحسب صحيفة "الراي" الكويتية، فإن "أفقُ الحرب آخذ في الاتساع وانسداد الحلول السياسية العالقة في عنق الزجاجة، في ظل خشيةٍ من 3 أسابيع ستكون الأقسى خصوصاً مع دخول الإدارة الأميركية في العدِّ التنازلي لانتخابات 5 نوفمبر، وهو ما يُرجح أن يزيد من تفلُّت نتنياهو خصوصاً مع إشاراتٍ بارزة من البيت الأبيض إلى "انسحاب "من محاولة إخماد الحريق على جبهة لبنان في المدى القريب".
وشددت صحيفة "الوطن" القطرية على "ايمان الدوحة بأن الحل الدبلوماسي هو السبيل الوحيد لتجنب المزيد من القتل والدمار، كما ايمانها بأنه يتعين على المجتمع الدولي بذل أقصى الجهود الممكنة للجم إسرائيل وإجبارها على وقف عدوانها سواء ضد لبنان أو ضد قطاع غزة والأراضي الفلسطينية والاحتكام لمفاوضات من شأنها وحدها إعادة الأمن إلى المنطقة، حيث تتزايد كل يوم احتمالات التصعيد بصورة أكثر خطورة"، وفق تعبيرها.
وبالنسبة للمساعدات المقدمة الى لبنان، أشارت صحيفة "الإتحاد" الإماراتية إلى أن "الإمارات لم تتخاذل يوماً أو تتباطأ في المحن والشدائد والأزمات الطارئة. واليوم جاء وقت اليد البيضاء الممتدة لصالح هذا البلد الشقيق". وقالت: "يد الواجب الإنساني بكل أبعاده تحركت في الدولة بتقديم حزمة مساعدات إغاثية عاجلة بقيمة 100 مليون دولار إلى الشعب اللبناني الشقيق".
(رصد "عروبة 22")