صحافة

"المشهد اليوم"... لبنان بين تكثيف حضور إيران وتمدد قصف إسرائيلالاحتلال يضيّق الخناق على شمال غزّة ويواصل تدمير منظومة القطاع الصحية

رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف يزور موقع الغارة الإسرائيلية التي استهدفت حي البسطة في بيروت (أ.ف.ب)

وسع الاحتلال الاسرائيلي من عملياته العسكرية في لبنان حيث استهدف قرى وبلدات لم تكن ضمن دائرة استهدافاته خلال حرب تموز 2006، خاصة أن العدوان الحالي بكل تفاصيله لا يشبه ما مرّ به لبنان سابقاً، ليس من حيث الهمجية والوحشية، بل من خلال تركيز اسرائيل على القضاء على بنية "حزب الله" ومركز عملياته وقادته وعناصره الميدانيين وفق خطة مُحكمة ومعرفة "دقيقة" بكافة التحركات والحيثيات.

وهذا ما أثبتته الضربات الموجهة وعمليات الاغتيال المتنقلة بين المناطق اللبنانية على اختلافها ما يفرض معادلات جديدة. فظروف معركة 2006 التي بدأت بغزو بري وقصف ممنهج للبنى التحتية للدولة اللبنانية تختلف عن المعركة الحالية التي تشي بأن العدو خطط بدقة وكوّن داتا معلومات كبيرة مكنته من خرق صفوف "حزب الله" الذي يمر اليوم بمرحلة مفصلية لم يشهدها منذ تأسيسه.

وتناولت الصحف العربية الصادرة اليوم المجازر المتنقلة بين برجا والمعيصرة في محافظة جبل لبنان والبترون في الشمال، على وقع إدراج الاحتلال 23 بلدة جنوبية على لائحة الإخلاء، في أقضية جزين وصور وبنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا، محذراً السكان من العودة الى منازلهم "حتى إشعار آخر"، ما يرسم أكثر من علامة استفهام حول مآرب العدو من تهجير الجنوبيين إسوة بما حصل مع أهالي قطاع غزّة وإقامة منطقة عازلة ومعزولة لضمان أمن سكان الشمال وعودتهم الى منازلهم، وفق الشعار الذي ترفعه إسرائيل لتبرير حربها على لبنان.

أما التطور الخطير فتمثل بإتهام الجيش الاسرائيلي عناصر "حزب الله" بإستخدام سيارات الاسعاف في نقل الاسلحة والتنقل، ما يضع هذه الطواقم في خطر محدق ويعيق عملياتها الانقاذية، خاصة بعد سلسلة الاستهدافات "المتعمدة" والتي أسقطت عدد كبير من الشهداء والجرحى. في غضون ذلك، يعاني القطاع الصحي بكل مرافقه مع خروج عدد كبير من المستشفيات عن العمل في المناطق المستهدفة أو عمل بعضها بشكل جزئي نتيجة الاضرار الفادحة التي لحقت بها وآخرها 3 مستشفيات بقاعية هي (مستشفى تمنين ورياق وتل شيحا).

هذا الواقع الميداني يترافق مع استمرار العمليات العسكرية البرية دون تقدم يُذكر للجيش الاسرائيلي على عدة محاور كما يواصل الحزب إطلاق الصواريخ نحو شمال إسرائيل وسط رفع حالة التأهب مع احتفال الاسرائيليين بيوم "عيد الغفران". في المقابل، عبرت 40 دولة على الأقل عن دعمها "الكامل" لقوة الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان "اليونفيل" وحثّت على حماية عناصرها الذين أصيب 5 منهم خلال 48 ساعة الماضية، وفق خطة اسرائيلية تقضي بالإنقضاض على القرار الدولي 1701 من خلال إصدار قرار جديد في مجلس الأمن بموجب الفصل السابع أو تعديل القرار القائم بطريقة تؤثر على مهام هذه القوات.

وترافقت هذه الاحداث مع تصريحات للسفير الإسرائيلي بالأمم المتحدة داني دانون الذي دعا لإعادة "اليونيفيل" إلى مسافة 5 كيلومترات شمالاً "لتجنب الخطر" وفق ادعاءاته. في حين تواصل الحكومة اللبنانية حشد جهودها لتطبيق القرار 1701 والتعهد بالالتزام ببنوده في محاولة لوقف النار وحقن الدماء دون أن يكون لدى إسرائيل الجدية بذلك وهو ما تعكسه الوقائع السياسية والميدانية على حدّ سواء.

وفي هذا السياق، كتبت صحيفة "لوموند" الفرنسية في افتتاحيتها بعنوان "التخلي الجبان عن لبنان"، حيث قالت إن "السلطات الإسرائيلية لا تبدو مهتمة بوقف القتال في لبنان أو غزّة"، مشيرة إلى أن "الولايات المتحدة لا تتحدث عن هذا الأمر إلا قليلاً مقارنة بالحديث عن إعادة تشكيل المنطقة بالقوة". فيما حذّر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية من أن "التعجرف الذي يبثه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يشير إلى أن بحوزته سيناريو معقولاً لإنهاء الحرب في غزّة أو لبنان".

سياسياً، حثّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، خلال اتصال هاتفي برئيس مجلس النواب نبيه بري، اللبنانيين إلى توحيد صفوفهم من أجل وحدة البلاد واستقرارها، داعياً "حزب الله" على أن "يوقف فوراً" قصف إسرائيل. بدوره، أبدى وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن أمله في التوصل إلى حل دبلوماسي في لبنان، مجدداً دعم واشنطن جهود الدولة اللبنانية لفرض نفسها بمواجهة "حزب الله"، حسب تعبيره.

بالتوازي، توالت الزيارات الايرانية حيث حط رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف في بيروت ناقلاً "رسالة دعم"، وفق ما نُقل عنه خلال لقاءات أجراها مع رئيسي الحكومة والبرلمان قبل أن يتفقد موقع الغارة الاسرائيليّة في قلب بيروت، والتي استهدفت القيادي في "حزب الله" وفيق صفا الذي لا يزال مصيره مجهولاً.

المشهد اللبناني القاتم لا يختلف عن ذلك في قطاع غزّة، الذي هو أشد سوداوية، مع تعمّد الاحتلال الإسرائيلي فصل شمال قطاع غزّة ومحاصرته بشكل كامل وتدمير المنظومة الصحية بإخراج المستشفيات عن العمل وسط تدهور إنساني حاد مع منع دخول المساعدات منذ أكثر من 10 أيام، ما ينذر بمجاعة جديدة وسط صمت عالمي عن وقف الإبادة المستمرة منذ أكثر من عام.

وضمن جولة الصحف العربية اليوم:

أوحت صحيفة "الخليج" الإماراتية أنه "لم يعد خافياً على أحد أن ما يحدث ليس انتقاماً من "طوفان الأقصى"، ولكنه مخطط قديم حان وقت تنفيذه، وبعد أن كان الجيش يحارب في غزة فقط، فتح جبهة في الضفة، وجبهة في لبنان"، مشيرة إلى أن "الشواهد توحي بأنه لن يكون لبنان وحده، بل ستكون هناك عدة مسارح داخل إسرائيل وخارجها بعد أن عجز العالم عن منع تمدد الجبهات وتوسعها".

وشددت صحيفة "عكاظ" السعودية على أن "إسرائيل أثبتت أنها لا تريد السلام، مع الفلسطينيين والعرب، بل تريد الاستسلام لمشروعها الاستيطاني - الاستعماري التوسعي. فمنذ قيام إسرائيل، طُرحت العشرات من مبادرات (السلام) لحل هذه المعضلة، وإنهاء مأساة الشعب الفلسطيني، الا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عملت على الالتفاف على كل هذه المبادرات، والسعي لتمييعها".

بدورها، نبهت صحيفة "الوطن" البحرينية أن الحكومة الإسرائيليّة اتخذت من العدوان على غزّة "ذريعة لتعزيز مستوطناتها في الضفة الغربية وكذلك سائر مناطق النّزاع، مستخدمة العمليات العسكرية للرّد على الفصائل، وسيلة لتبرير السيطرة على أراضٍ جديدة، وإعادة إحكام نفوذها على المناطق الحدودية، وتجديد الدعم الداخلي بواسطة تعزيز النزعة القومية".

واعتبرت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "أميركا التي نصبت نفسها راعياً للسلام في الشرق الاوسط ودعت عدداً من الدول العربية لا تربطها حدود مع اسرائيل لتوقيع اتفاقات سلام، ظن الشعب العربي انها ستكون قاطرة لانهاء الاحتلال واستقلال فلسطين، الا ان شيئاً لم يحدث واستفادت اسرائيل دون أن تتقدم خطوة واحدة على طريق السلام"، لافتة إلى أن "الدعم اللامحدود من أميركا لاسرائيل أفقدها مصداقيتها، فلم تعد الوسيط الذي يمكن الوثوق به".

وفي الاطار عينه، تحدثت صحيفة "الدستور" الأردنية عن "العقلية الاستعمارية التي يحركها نتنياهو، ليس فقط من خلال تصريحاته الصاخبة، بل من خلال أفعاله وأهمها ما عرضه من خريطة جديدة للشرق الأوسط تكشف عن نيته إعادة تشكيل المنطقة بما يتماشى مع مصالح إسرائيل ومخططها للتوسع، وهذا يعني استحداث كيان شرق أوسطي كبديل عن العالم العربي والإسلامي ليمكن من خلاله إدماج إسرائيل في المنظومة الشرق أوسطية وتطبيع دول المنطقة مع الكيان الصهيوني".

وعن الاستهداف الاسرائيلي لقوات "اليونفيل"، كتبت صحيفة "الراية" القطرية أن هذه "الهجمات تشكل سابقةً خطيرةً، و محاولةً لتغيير الوضع القائم على حدود لبنان وانتهاكًا صارخًا آخر للقانون الدولي الإنساني.كما تؤكد مرة أخرى استباحة إسرائيل للشرعية الدولية، وعدم امتثالها للقوانين والمواثيق الدولية، وللقانون الدولي الإنساني، وقد تُشكل جريمة حرب".

أما صحيفة "الراي" الكويتية، فتطرقت الى أن "استهداف شخصية غير عسكرية مثل وفيق صفا يؤكد نية إسرائيل توسيع نطاق عملياتها، بهدف تفكيك القيادة السياسية للحزب، إضافة إلى قيادته العسكرية"، واضعة ذلك في خانة "التحول في الاستراتيجية الذي يشكل جزءاً من جهد طويل الأمد للحدّ من نفوذ الحزب وربما إثارة الاضطرابات الداخلية أو حتى الحرب الأهلية".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن