تقدير موقف

بديل نصرالله.. إيران النووية!

سيمر وقت طويل، قبل أن تتظهّر التداعيات العميقة لاغتيال الأمين العام لـ"حزب الله"، سيّما وأنّ دور السيّد حسن نصرالله يتجاوز موقعه كأمين عام للحزب، فهو ومنذ اغتيال قاسم سليماني بات أمين عام محور المقاومة برمته. وهو رغم خشونة موقعه يمثل رمز القوّة الجاذبة بالنسبة للمرشد والمشروع الايراني.

بديل نصرالله.. إيران النووية!

شكلت رمزيّة نصرالله والأدوار التي لعبها حصرًا في المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي منصّة جذّابة تستخدمها إيران باتقان لزوم تلميع صورتها المشوّهة جرّاء تخادمها مع الولايات المتحدة في غزو أفغانستان والعراق، وإظهارها كحاضنة وداعمة لحركات المقاومة وخصوصًا في فلسطين.

لم يدر في خلد نصرالله ما تخبئه إسرائيل من بنك أهداف نتيجة الاختراقات التكنولوجية وربما البشرية

سيمرّ وقت قبل أن تتمكّن إيران ومعها "حزب الله" من إنتاج شخصية قيادية بامكانها ملء فراغ كاريزما نصرالله الذي يمكن القول إنّ لسانه وإصبعه هما كل "حزب الله" السياسي ونصفه العسكري. بهذا المعنى يمكن النظر إلى الخسارة الاستراتيجية التي أصابت الحزب أولًا، وإيران وبقية حركات المقاومة ثانيًا. وعلى ذكر الكاريزما نتساءل عن مدى نجاح اسماعيل قاآني في ملء فراغ قاسم سليماني! وإذا كانت حركة "حماس" قد تمكنت خلال أسبوع من اختيار يحيى السنوار خليفة لاسماعيل هنية، فالأمر غير متاح بالنسبة للحزب الذي يواجه تحديين ملحّين هما تشييع نصرالله، واختيار خليفته.

وإذا ما أجملنا انتكاسات الأشهر الأخيرة التي أصابت محور المقاومة، فنجد أنّ اغتيال نصرالله شكل جوهرة التاج التي قطفها بنيامين نتنياهو من رأس المحور. فاغتيال زعيم "حماس" اسماعيل هنيّة المتزامن مع رئيس أركان "حزب الله" فؤاد شكر، وبعده "لجنة قيادة الرضوان" وبعض قادة الحزب لم يُشعر ليس نتنياهو فقط بل كل الطبقة السياسية والمجتمع الإسرائيلي بالنشوة، التي أسكرت نتنياهو وجعلته يختال ويفاخر في نيويورك وهو يعرض خرائط النعمة والنقمة، ويندفع للحديث من فوق أنقاض الاغتيال عن تغيير الشرق الأوسط، وقد بالغ نتنياهو في الانتشاء بُعيد استهداف رئيس "المجلس التنفيذي" هاشم صفي الدين ليقول: "لقد قتلنا نصرالله وخليفته وخليفة خليفته" ويقصد بخليفة خلفيته الشيخ نبيل قاووق الذي كان سيخلفه في رئاسة المجلس التنفيذي.

اغتيال نصرالله لم يكن مفاجئًا له، ولعلّ المتابع لتأبينه فؤاد شكر، يتوقف عند اختتام نصرالله كلمته بالدعوة "إلى اللقاء مع انتصار الدم على السيف، إلى اللقاء في الشهادة، إلى اللقاء في جوار الأحبة". وأغلب الظنّ أنّ نصرالله استشعر بعد استهداف شكر و"لجنة الرضوان" وتفجيرات أجهزة "البيجر" واللاسلكي بأنّ العدوّ قد اقترب منه والمسألة مسألة التوقيت المناسب. لكن الاستشعار الأخطر الذي أحسّه نصرالله كان بُعيد اغتيال سليماني، وبصواريخ دونالد ترامب وليس بنيامين نتنياهو.

على مدى عام تقريبًا من تدشين جبهة الإسناد اللبنانية دعمًا للمقاومة في غزّة، كان نصرالله شديد الوضوح بترابط المسارين بين جبهتي الجنوب وغزّة، وهو ما سلّم به الوسطاء الدوليون. وعلى مدى عام راح نصرالله يقدم البراهين بعدم رغبته في توسيع الحرب، ولهذا استفاض في شرح أفلام "الهدهد" وقاعدة "عماد 4" بهدف ردع إسرائيل عن استهداف لبنان.

ما يميّز العدوان الإسرائيلي استهدافه لكل الحزام الدينوغرافي الشيعي قصفًا وقتلًا وتدميرًا على امتداد لبنان

وعلى مدى أعوام سابقة، كثّف نصرالله إظهار قدرات المقاومة الصاروخية في الوصول وتدمير كل المواقع العسكرية والحيوية في الكيان، وقد شعرت البيئة المقاومة لبنانيًا وإقليميًا بنشوة جرّاء قوة الردع التي يشكلها الحزب كقواعد اشتباك في مواجهة إسرائيل. ويرجّح أنّه لم يدر في خلد نصرالله ما تخبئه إسرائيل من بنك أهداف نتيجة الاختراقات التكنولوجية وربما البشرية، ما دفع بجيش الاحتلال إلى الإطاحة بقواعد الاشتباك وتوّجها باستهداف نصرالله، الأمر الذي دفع بالحزب خصوصًا بعد إطلالة الشيخ نعيم قاسم الثانية الهادفة لتأكيد استعادة كفاءة منظومة القيادة والسيطرة، إلى الارتقاء النوعي في عملياته الصاروخية المركّزة باتجاه حيفا وما بعدها باتجاه تل أبيب الكبرى.

وبخلاف عدوان تموز 2006، فما يميّز العدوان الإسرائيلي على لبنان استهدافه لكل الحزام الدينوغرافي الشيعي قصفًا وقتلًا وتدميرًا على امتداد لبنان، والنزوح من بلدات وقرى البقاع الغربي وبعلبك الهرمل باتجاه الشمال يوازي النزوح من الجنوب والضاحية باتجاه جبل لبنان وسوريا والشمال، ما يعني استفرادًا واستهدافًا مُركّزًا للطائفة الشيعية والتي وضعت القناة 14 الإسرائيلية مرجعها الأعلى علي السيستاني على قائمة الاغتيال.

اغتيال نصرالله، أصاب قلب طهران وعقلها وقوتها الخشنة والناعمة، وجعل مرشدها خامنئي قبل خطبة الجمعة التأبينية لنصرالله وبعدها، يبكي. ولهذا سارعت إلى توجيه ضربة لـ"إسرائيل" ردًا على اغتيال اسماعيل هنية شكلًا، وعلى اغتيال رمز نفوذها وقوتها الخارجية حسن نصرالله مضمونًا. لقد غامرت إيران التي سبق وقرّرت امتناعها عن خوض أي حرب بعد حربها مع العراق، تمامًا كما قرّرت بأنّ أذرعها في المنطقة هي من تخوض الحروب نيابةً عنها ودفاعًا عن مصالحها، ألم يقل قاسم سليماني إنّه "أنشأ 6 جيوش عربية مهمتها الدفاع عن إيران"؟.

دعوات ضمن مناطق صنع القرار الإيراني بعد اغتيال نصرالله إلى ضرورة تغيير إيران لعقيدتها النووية

لكن تطورات طوفان الأقصى" جعلت إيران في موقع المدافع عن نفسها، وعن أذرعها التي باتت على أجندة التحالف الأمريكي الإسرائيلي الغربي. وهي الأذرع التي لطالما تمتعت بالرعاية الأمريكية لزوم استخدامها في غزو العراق، كما وفي الحرب الدولية على "داعش"، ثم حصل التنافر منذ تمزيق دونالد ترامب للاتفاق النووي مع إيران واغتياله سليماني.

هذا الاستهداف لقوى محور المقاومة وصولًا إلى إيران التي جعلتها التطورات المستولدة من "طوفان الأقصى" في وضع حرج خصوصًا مع نزوع نتنياهو إلى تسديد ضربة عميقة ومؤلمة لها، أطلق الدعوات ضمن مناطق صنع القرار الإيراني بعد اغتيال نصرالله إلى ضرورة تغيير إيران لعقيدتها النووية، ما يطرح السؤال حول توقيت إعلان مدير المخابرات الأمريكية وليم بيرنز أنّ "إيران قادرة خلال أسبوع على إنتاج مادة انشطارية تكفي لصنع سلاح نووي..".

لكن ماذا عن موقف فلاديمير بوتين؟!

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن