صحافة

نراقب طائرة قاليباف حتى نفهم جولة عراقجي!

يوسف بدر

المشاركة
نراقب طائرة قاليباف حتى نفهم جولة عراقجي!

باتت منطقتنا العربية تقع في حصار الرؤية الإيرانية، بل حتى رُؤى القوى الأخرى، فالأمر لا يتعلق بإيران وحدها، بل يتعلق بغيابنا أو على الأقل عزوفنا عن التأثير الفعلي والمباشر في تحديد مصيرها، بما ساعد القوى الأجنبية على إحداث هذا الحجم من التأثير والاستقطاب في منطقتنا، حتى إننا نواجه خطابين متناقضين للقوى المتدخلة.

ومع ذلك لم يساعدنا هذا التناقض على تشكيل نوع من اليقظة والانتباه لوجود خطأ ما، ونحن معذورون! فإن بلداً مثل لبنان لا ينتظر تحليل طبيعة خطاب القوى الدخيلة في شأنه، بينما يتلقى الطعنات من العدو الإسرائيلي، الذي أثبت أنه لا يحمل أي إمكان لإحداث السلام معه، لأنه لا يعرف إلا لغة القوة.

وهو ما وضع منطقتنا العربية تعيش بين مسارين، الحرب أو السلام، بل لا حَظّ لنا مع واحد منهما، فقد كُتب علينا العيش في منطقة رمادية، تظل تستنزفنا لصالح غيرنا. فرئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، مارسَ هوايته القديمة، وقاد طائرة الوفد البرلماني بنفسه إلى طاجيكستان، مساء الأربعاء 9 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، للمشاركة في الذكرى الـ30 لتأسيس دستور جمهورية طاجيكستان!

وكانت زيارة قومية بامتياز، فقد ذهب إلى ساحة الصداقة (دوستي) بالعاصمة دوشنبه، من أجل وضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري للزعيم التاريخي إسماعيل ساماني (849 – 907م)، الذي هو من الأسرة السامانية التي قامت بإعادة إحياء الهوية الفارسية لغةً وأدباً وسلطةً!

ولذلك، حمل قائد الطائرة قاليباف معه نسخة من كتاب الشاهنامة (سير ملوك الفرس) الذي نظمه الشاعر الفردوسي شعراً، وأهداها إلى الرئيس الطاجيكي، إمام علي رحمن، ومعه أيضاً كتاب المقامات الموسيقية الفارسية، الذي ألفه الموسيقار الإيراني، حسین علیزاده.

وكأن رسالته، أن الفرس في إيران أكملوا ما بدأه الشاعر الدقيقي الذي هو أول من أحيا سيرة ملوكهم في عهد الدولة السامانية، حتى بات للفرس إيقاعٌ موسيقيٌ يدل على هويتهم وأثرٌ على وجودهم بين الأمم!

ضمادة قطن من أجل لبنان!

قاد قاليباف الطائرة بنفسه أيضاً إلى بيروت، السبت 12 تشرين الأول (أكتوبر)، لكنه لم يحمل معه هذه المرة الزهور والشعر، بل مساعداتٍ طبية من أجل لبنان الجريح! لم تكن رحلته هدفاً قومياً بالدرجة الأولى، بل رسالة تحدّ للعدو الإسرائيلي على جسد لبنان، ومُهمة كلفهُ بها المرشد الأعلى علي خامنئي، أن يذهب ويقف في موقع إحدى الغارات الإسرائيلية في وسط بيروت، من أجل رفع معنويات جبهة المقاومة بأن إيران معهم ولن تتراجع عن مساندتهم.

وهذه حقيقة! فإن طهران لن تتراجع عن دعم محورها، لأنها في حاجة إلى الحرب الرمادية بدلاً من أن تنتقل ساحة المواجهة إلى حدودها، بجانب أن خسارتها محورها، تعني إعادة ضبط معادلة الردع مع إسرائيل، وهذا قد يدفعها إلى تغيير عقيدتها النووية، ويدخلها في منطقة مظلمة غير مستعدة لها في الوقت الراهن. فإيران لا تملك إلا الحفاظ على عتبتها النووية المتقدمة، وتحييد برنامجها النووي عن أية عملية عسكرية إسرائيلية، وهو ما يستلزم عدم قطع اتصالاتها مع الولايات المتحدة من أجل ضبط إيقاع التصعيد المتبادل مع إسرائيل.

وبناء على ذلك، نفهم من الجولات الإقليمية لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أن طهران وضعت مسؤولية أمن منشآتها النووية والنفطية في يد القوى الإقليمية في مقابل دعمها استعادة الهدوء للمنطقة، وأن مصير أمن الإقليم مرهون بسلامة الدولة الإيرانية!

(النهار العربي)

يتم التصفح الآن