لم يعد هناك شك، في ظل ما يجري في منطقتنا، خلال العام المنقضي، في أننا لم نصل بعد إلى نقطة النهاية، وأن ما جرى – ولا يزال يجري ويتفاقم – إنما هو مجرد حلقة أخرى في حلقات أخرى قادمة من الصراعات. وتبدو هذه النتيجة المأساوية منسجمة تماماً مع كل المقدمات، التي نراها تشتعل وتنفجر حولنا كل ساعة، ومع أي سيناريو يمكن أن ينتهي إليه الوضع الحالي، فتجاوز كل تفاصيل هذا الوضع شديدة التعقيد والخطورة معاً، إلى أي من هذه السيناريوهات، نراها جميعاً تتسم بعدد من الخصائص التي ترجح هذه النتيجة.
فعلى الصعيد الأوسع تبدو المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران، وأياً كانت حلقاتها المقبلة، وبحكم المسافات البعيدة التي تفصل بينهما، غير مؤهلة في أي لحظة حالية أو قادمة لانتصار حاسم لأحدهما على الآخر، واستسلامه وخروجه النهائي من المواجهة.
بحكم الجغرافيا والديموجرافيا والتاريخ ستظل إيران الحالية قائمة بكل خصائصها أو بتعديلات غير جوهرية فيها، وستظل إسرائيل الحالية أيضاً كذلك بحكم التكوين والعلاقات التاريخية، والآنية الجوهرية مع الغرب الأمريكي والأوروبي.
ومن شأن أي تصعيد أوسع مما يود كل الحرصاء على أمن واستقرار المنطقة والعالم أن يضعف أو يخل بقدرات الدولة الأخرى، لكنه لن يؤدي على صعيد المستقبل القريب والمتوسط، سوى إلى مزيد من تعميق الكراهية المتبادلة والتربص الأشد من الطرفين تجاه بعضهما البعض، والسعي لإعداد كل ما يلزم للحلقة القادمة من المواجهة.
وعلى صعيد أوسع كثيراً يتعلق بأصل الصراعات في المنطقة، وهو القضية الفلسطينية، فإن تفضيل الحكومة الإسرائيلية الحالية لحسم الأوضاع في قطاع غزة والضفة الغربية بالقوة العسكرية، مع تنامي مطامع احتلال أجزاء من القطاع.
والتوسع في الاستيطان في الضفة، سوف يؤدي بالضرورة إلى نفس النتيجة التي ظلت قائمة ومتواصلة منذ النكبة الفلسطينية، وقيام إسرائيل عام 1948: أي استمرار الشعب الفلسطيني في مقاومته المسلحة لكل هذا، والتي لم تتوقف واتخذت أشكالاً سياسية وتنظيمية متنوعة منذ هذا الوقت.
ومن شأن الخسائر الأكثر فداحة ومأساوية، التي أصابت هذا الشعب بشرياً ومادياً خلال عام الحرب المنقضي، مع ما تزمع إسرائيل تطبيقه عليه وعلى أراضيه، أن تنقل هذه المقاومة إلى مستويات من التصميم والعنف والحدة في المستقبل، قد لا تكون مسبوقة في تاريخ الصراع.
وبالانتقال إلى لبنان، حيث المواجهة الدائرة حالياً، وتتصاعد بصور خطيرة مقلقة، فإن إمكانية حسم الأمر عسكرياً وفق المنظور الإسرائيلي الحالي، وصولاً إلى الهدف المعلن. وهو إعادة سكان شمال إسرائيل آمنين إلى مناطقهم عبر القضاء المبرم على كل قدرات "حزب الله" العسكرية، يبدو كذلك مفارقاً للواقع العملي، والذي يشير إلى أن هذا الهدف لن يتحقق سوى بالتفاوض في مرحلة ما من المواجهة المسلحة، والتي تبدو غير مرشحة لتحقيق هذا القضاء المبرم.
كل هذه المشاهد والسيناريوهات، بما فيها الأكثر رغبة من الجانب الإسرائيلي والمشار إلى بعضها سابقاً، لن تفضي مطلقاً بكل ما يتضمنه كل منها، إلى وضع نهاية لحالة الصراع التي تعيشها منطقتنا منذ ثلاثة أرباع القرن، بل على العكس تماماً، فلن يكون أفضل السيناريوهات لمستقبل ما يجري اليوم سوى مجرد "هدنة" إجبارية أو طوعية، من هذا الطرف أو ذاك، يتم بعدها وغير بعيد استئناف الصراع المسلح بصور أخرى جديدة.
إن مستقبل المنطقة كلها ومعه جزء كبير من مستقبل العالم يبدو مرتهناً بحلول حقيقية وجذرية وشاملة لأصل كل تلك الصراعات، أي القضية الفلسطينية. وهذه الحلول يوجد لها في مقررات الشرعية الدولية، ومؤخراً في تغير مواقف كثير من دول العالم الغربية، ما يمكن جدياً من الوصول إليها، وهو ما سيسهم وبقوة في نزع هذه الورقة من أيدي إيران، وهي القوة الإقليمية المهمة التي تتحجج بها في أغلبية تحركاتها في المنطقة، مضيفة بها إلى صراع المنطقة الأصلي صراعات أخرى خطيرة.
(البيان الإماراتية)