سلطت الصحف العربية الصادرة اليوم الضوء على مساعي اسرائيل تكريس واقعاً جديداً في جنوب لبنان يضمن لها إعادة سكان الشمال إلى مستوطناتهم، دون أي خطر مستقبلي، عبر إبعاد "حزب الله" بشكل كامل عن الحدود، أي الى ما وراء نهر الليطاني. ورغم سعي لبنان الرسمي إلى التقيّد ببنود القرار 1701 بحذافيره، إلا أن تل أبيب ومن خلفها الولايات المتحدة الاميركية بدأتا تعدان العدّة لتعديلات على القرار من خلال الدعوة العلنية لنزع سلاح الحزب وإبعاده عن الحدود، كما إنشاء أنظمة تضمن عدم إعادة تسليحه مجدداً.
ويدرك "حزب الله"، قبل حلفائه وخصومه على حدّ سواء، أن مرحلة ما قبل الحرب لا تشبه بعدها، ولكنه يحاول التمسك بقدراته العسكرية ووحدة قراره والبيئة الحاضنة، التي تشكل عصب الحزب الرئيسي. وهو ما يُستشف من كلمة نائب الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم الذي جدّد الدعوة الى وقف إطلاق النار كمرحلة أولية يليها، بحسب قوله، "اتفاق غير مباشر يُمكن السكان من العودة إلى الشمال، وتُحدد بعدها خطوات أخرى"، لم يفصح عن ماهيتها.
وشدد قاسم، في إطلالته الثالثة منذ اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله، على ربط الجبهتين، أي لبنان وغزّة، على قاعدة مواجهة المخططات التوسعيّة الإسرائيليّة، مؤكداً أن "الحزب قرر منذ نحو أسبوع تنفيذ معادلة جديدة وهي إيلام العدو"، بتنفيذ المزيد من العمليات العسكرية في العُمق الإسرائيلي.
وتعكس هذه التصريحات مُضي الحزب في معركته الحالية متسلحاً بالنتائج التي يحققها في الميدان كما استهدافه المستوطنات الاسرائيلية بشكل يومي، إلا أنه، في الوقت عينه، لم يغلق الباب أمام فرص التسويات التي ربطها بشرط أساسي وهو وقف إطلاق النار...فلا تفاوض إلا بعد هدوء الجبهات.
وفي هذا السياق، أشارت صحيفة "جيروزالم بوست" إلى أن إسرائيل تلقّت "طلبات غير مباشرة من "حزب الله" وإيران" لوقف إطلاق النار، "لكن تل أبيب لا تريد ذلك في هذا الوقت؛ نظراً لأنها لا تزال تنفّذ حملتها العسكرية لإضعاف "حزب الله"، وفق ما أوردته الصحيفة.
ميدانياً، استكمل "حزب الله" استهداف حيفا وصفد ومدن اسرائيلية آخرى كما تصدى لمحاولة تسلل قوّة مشاة ومنعها من التقدم عند أطراف بلدة رب ثلاثين جنوبي لبنان. كما أشارت وحدات الدفاع الجوي التابعة له الى إسقاط طائرتين مسيّرتين إسرائيليتين من نوع "هرمز 450".
بدوره، واصل الاحتلال عدوانه الهمجي على مختلف القرى والبلدات اللبنانية، بقاعاً وجنوباً، حيث ارتكب جريمة في بلدة قانا ذهب ضحيتها 10 شهداء وأخرج مستشفى المرتضى في بعلبك عن العمل نتيجة الأضرار التي ألمت بها. وفي وقت سابق، أعلن الجيش الإسرائيلي اغتيال مسؤول منطقة شمال الليطاني بالوحدة الجوية لـ"حزب الله" خضر العبد بهجة، بغارة قبل أيام في منطقة النبطية. كما بث صوراً لما أسماه أسر 3 مقاتلين تابعين للحزب، ليرتفع عدد الأسرى إلى 4 منذ بدء العمليات البرية أواخر شهر سبتمبر/أيلول الماضي. هذا ولم يصدر عن "حزب الله" أي نفي أو تأكيد حتى الساعة.
وفي الشق السياسي، نبه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من "محاولات تصفية القضية الفلسطينيّة التي من شأنها أن تتسبب في استمرار الصراع بالمنطقة". وطالبا، خلال لقاء جمعهما في القاهرة، ببدء خطوات للتهدئة "تشمل وقف إطلاق النار بقطاع غزّة ولبنان، ومعالجة الأوضاع الإنسانية المتفاقمة".
ويُشار، في هذا الصدد، الى ما نقلته صحف ووسائل اعلامية عن وزارة الخارجية الأميركية، التي عبرت عن مخاوفها إزاء حملة القصف التي تشنها اسرائيل في بيروت، مضيفة إن عدد الضربات انخفض خلال الأيام القليلة الماضية، لكن واشنطن ستواصل المراقبة بعناية شديدة.
أما غزّة، فقد شهدت المزيد من المجازر التي ذهب ضحيتها أطفال ونساء، اذ استشهد 61 فلسطينياً على الأقل في غارات استهدفت منازل مأهولة في القطاع على وقع مناشدة حركة "حماس" لوقف تنفيذ "خطة الجنرالات". بالتوازي، حذّرت الولايات المتحدة إسرائيل من احتمال تأثّر المساعدات العسكرية "في حال لم يسجَّل تحسُّن في تأمين دخول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزّة مع اقتراب فصل الشتاء"، بحسب ما نقلته "وكالة الصحافة الفرنسية".
وعلى صعيد متصل، تستمر التهديدات الاسرائيلية لطهران بـ"ردٍ مميت"، حيث أفادت "هيئة البث الإسرائيلية" أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عقد سلسلة من المشاورات الأمنية استعداداً للهجوم على إيران. وفي وقت لاحق، علّق مكتبه على تسريبات اميركية قائلاً "إننا نستمع إلى آراء الولايات المتحدة لكننا سنتخذ قراراتنا النهائية بناء على مصلحتنا الوطنية".
في غضون ذلك، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن أجزاء من منظومة "ثاد" الدفاعية المضادة للصواريخ بدأت في الوصول إلى إسرائيل وستكون جاهزة للعمل بكامل طاقتها في المستقبل القريب.
ونتناول في جولة الصحف العربية الصادرة اليوم:
اعتبرت صحيفة "الخليج" الإماراتية أنه "يتم الآن تسفيه وتبسيط القتل في غزّة ولبنان، وتحويل أعداد الضحايا إلى أرقام صماء من دون روح"، مستنتجة أن الغرب يعمد الى تبرير "حروب القتل والإبادة، وإقصاء كل ما هو مختلف ومغاير، وتمزيق الهويات الجماعية، وخلق ذوات مُغفلة، تتساوى لديها الأنوار والظلم".
من جهتها، قالت صحيفة "الرياض" السعودية "إننا أمام مرحلة جديدة من مراحل الصراع في المنطقة حيث إسرائيل تدعو لتصعيد عملياتها العسكرية بعيداً عن حدودها الجغرافية". لتخلص إلى القول "إن حالة التصعيد المستمر وحالة بناء التكتلات السياسية والأمنية والعسكرية الراهنة، تُنذر في مرحلتها الثانية بزيادة نسبة الخطورة التي قد تشهدها المنطقة".
الى ذلك، أوضحت صحيفة "الشروق" المصرية أنه إذا "انتهت الحرب دون تدمير كامل للقدرة الإيرانية على صنع قنابل نووية، فإن إسرائيل ستخرج بهزيمة استراتيجية رغم الفظائع التي ارتكبتها في غزّة ولبنان. وسيعيد ذلك سيناريو كوريا الشمالية، حيث تمكنت من تطوير ترسانة نووية رغم العقوبات والتهديدات".وتساءلت : "كيف سيتعامل العالم مع إيران النووية؟".
ونقلت صحيفة "الجريدة" الكويتية عن مصادر متابعة قولها إن "إيران دخلت مباشرة على خط تنسيق وقيادة العمليات العسكرية التي يخوضها "حزب الله"، وهذا التصعيد التدريجي في الصواريخ والمسيرات هو بقرار إيران لإيصال رسالة مباشرة للإسرائيليين بأنه في حال ضرب إيران، فإن الجبهات ستتصاعد ضدها".
ونددت صحيفة "القدس العربي" بقيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بـ"تحطيم كل الأرقام القياسية في مضمار التوحش المطلق ضد سكان غزّة"، قائلة: "ليست مفارقة جديدة أن دولة الاحتلال تحرز سبق الضحية على جلادها ليس عن طريق عكس المعادلة بحيث يصبح القتيل قاتلاً سفاحاً فحسب، بل كذلك في إدخال ويلات وفظائع لم يسبق للجلاد الأول أن تجاسر على استخدامها".
ومن وجهة نظر صحيفة "اللواء" اللبنانية، فإن "الجميع بات مقتنعاً اليوم، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، بأن إسرائيل هزمت، وبأن إعطائها المزيد الوقت في الميدان، لن يأتي لها إلّا بمزيد من الخسائر…بينما في المقابل نجد ان المقاومة رسمت المشهد بما يلائمها، ونجحت في اعتماد الاستراتيجيات والتكتيكات المناسبة ومنعت العدو من تحقيق أهدافه".
في اطار مختلف، تطرقت صحيفة "الدستور" الأردنية الى ضرورة "مواجهة المشروع الصهيوني الذي يتمدد في منطقتنا، وإلحاق الهزيمة به، ثم ترتيب علاقة متكافئة مع أمريكا والغرب، ومع العالم أيضاً"، داعية "القوميات الثلاثة (الترك والفرس والعرب) إلى أن يجتمعوا، لإبرام صفقة تاريخيّة، تعيد الاعتبار إلى شعوبها ودولها، وتجعلها نداً قوياً في هذا العالم الذي لا يعترف إلا بالأنداد، ولا يحترم إلا الأقوياء".
ووفق صحيفة "الراية" القطرية، فإن "المنطقة تمر حاليًا بتحولاتٍ تاريخيةٍ، حيث يُعاد تشكيل خريطة التحالفات السياسية في العالم أجمع"، لافتة إلى أن "قطر تدخل تحديًا جديًا وستكسب الرهان بفضل تضافر جهود الجميع لإنجاح مسيرة التنمية دون التأثر بالأزمات العالمية".
(رصد "عروبة 22")