تنشط الادارة الأميركية، بعد أقل من أسبوعين على الانتخابات الرئاسية المحتدمة والتي سيلعب الناخبون العرب دوراً محورياً فيها، خاصة أن هؤلاء سيدلون بأصواتهم في الصناديق بناءً على ما تشهده منطقة الشرق الأوسط عموماً والدول العربية خصوصاً. ومن هنا يمكن فهم الزيارات الديبلوماسية المتسارعة للتوصل الى هدنة (أو الايحاء بذلك) في غزّة ولبنان ريثما تنجلي غبار المعركة في واشنطن.
ورغم هذه الجولات والجهود الحثيثية غداة دعوة الرئيس جو بايدن لإنهاء الحرب في غزّة وإعادة الرهائن، الا أن الوقائع والتصريحات الواردة من اسرائيل، وعلى لسان مسؤوليها، لا تشي بأن الأمور تسير على سكة الحلول أو المفاوضات البناءة لوقف إطلاق النار.
وفي الوقت الفاصل بين الانتخابات ونتائجها، تصعّد اسرائيل من عملياتها العسكرية ومناطق استهدافاتها في لبنان وتستكمل مخططها الرامي لتهجير سكان شمال قطاع غزّة عبر محاصرتهم وتجويعهم وقتل كل معالم الحياة وارتكاب المجازر التي ترتقي للإبادة الجماعية والتطهير العرقي، فيما العالم يرى ويسمع دون أن يحرك ساكناً ودون أن ينجح مجلس الأمن بفرض قراراً واحداً يضع حداً لهذه المعاناة المستمرة منذ أكثر من عام.
أما مناشدات الأمم المتحدة، فلم تلقَ أي آذاناً صاغية في اسرائيل التي رفضت مؤخراً طلباً لإجلاء العالقين تحت الأنقاض في شمال القطاع، ما دفع المفوض العام لوكالة "الأونروا" فيليب لازاريني أمس الى اطلاق نداء عاجل لارساء هدنة "ولو لبضع ساعات بهدف توفير ممر إنساني آمن".
وإزاء هذا المشهد السوداوي، واصل العدو الاسرائيلي من غاراته الجوية على الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع والجنوب، فيما ارتكب مجزرة في النبطية ذهب ضحيتها 13 شهيداً من عائلة واحدة. ويترافق ذلك مع عمليات عسكرية مستمرة في أكثر من نقطة وجبهة، حيث لا يزال "حزب الله" يتصدى في الميدان للقوات الاسرائيليّة التي تعتمد على سياسة الأرض المحروقة كما نسف المباني وهدم المربعات السكنية بأكملها على طول القرى الحدودية، حيث توضح عملياتها على الخريطة أنها تسعى لاقامة منطقة عازلة جنوبي لبنان.
في المقابل، استهدف الحزب مستوطنات وبلدات اسرائيليّة برشقات صاروخية، في وقت تسببت طائرة مسيّرة أُطلقت من لبنان، مساء الثلاثاء، في حالة ذعر كبيرة وأدخلت ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، وفق ما أشار موقع "والا" الإسرائيلي. في غضون ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي رسمياً عن مقتل القيادي في "حزب الله" هاشم صفي الدين بعد مرور 3 أسابيع على استهدافه في الضاحية الجنوبية لبيروت. ويأتي هذا التصريح بعد تأكيدات عن انتشال جثمانه من تحت الأنقاض في منطقة المريجة مع 23 آخرين من بينهم قياديون كبار في استخبارات "حزب الله".
وبعد أكثر من 4 أيام على مسيّرة قيساريا الإيرانية الصنع والتي استهدفت منزل نتنياهو، تبنى "حزب الله"، على لسان مسؤول العلاقات الاعلامية محمد عفيف، العملية "بشكل تام وحصري" ليحسم الجدل بعد تنصل إيران عبر بعثتها في الأمم المتحدة من مسؤوليتها. كما أكد، للمرة الأولى، وقوع عدد من عناصر الحزب في الأسر، لكنه "لن يطول الوقت حتى يكون لدينا أسرى من جنود العدو"، مشيراً الى أنّ "المعركة طويلة".
وفي رسالة للموفد الاميركي آموس هوكشتاين، قال عفيف: "ثقتنا كاملة وتامة بالرئيس نبيه بري ونؤكد على موقفه القاطع بأن لا مفاوضات تحت النار، وما لا يُؤخذ بالنار لا يُعطى بالسياسة". وبات واضحاً أن الطرفين، أي اسرائيل و"حزب الله"، يربطان مصير التفاوض بنتائج ساحات القتال.
بموازاة ذلك، تتجه الأنظار الى فرنسا التي تنظم غداً، الخميس، مؤتمراً دولياً لدعم لبنان بغياب وزير خارجية أميركا، رغم الدور المفصلي الذي تلعبه بلاده في ملفات المنطقة. ويأمل لبنان الرسمي من أن يشكل المؤتمر منطلقاً لتقديم يد العون والمساعدة لحكومته التي ترزح تحت ضغوط اجتماعية واقتصادية مع تزايد أعداد النازحين بشكل مطرّد.
سياسياً، حطّ وزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن في اسرائيل حيث أجرى سلسلة لقاءات، ضمن جولة يقوم بها في المنطقة، لدفع عجلة المفاوضات واطلاق سراح الأسرى. وفي هذا الصدد، قال نتنياهو "كل من ضغط علي لتقديم تنازلات غير مسؤولة بشأن الرهائن أراد مني فعلياً تعريض أمن إسرائيل للخطر". وأضاف "سيعود سكان الشمال إلى ديارهم وهذه مهمة أخذتها على عاتقي ولن تزحزحني عنها أي ضغوط محلية كانت أم خارجية".
أما وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت، فقال إن بلاده تحرز تقدماً في مهمتها لتدمير البنية التحتية لـ"حزب الله" في القرى القريبة من الحدود"، مشدداً على "أنه حتى بعد انتهاء العملية، ستستمر إسرائيل في استهداف جميع أنظمة الحزب بشكل منهجي حتى يمكن إعادة سكان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم بأمان".
وعن الرد على ايران، قال غالانت لبلينكن إن بلاده تعول على دعم واشنطن "بعد مهاجمتها إيران". وكان موقع "المونيتور" الأميركي نقل عن مصادر أمنية أميركية وإسرائيلية قولها إن واشنطن وعدت بمكافأة إسرائيل على عدم استهداف المنشآت النفطية والنووية. وتتضمن "المكافأة" الاميركية، بحسب الموقع عينه، رفع تعليق الولايات المتحدة شحنات معينة من الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل وتسريع توريدها، بالإضافة إلى تزويدها بالمعدات الهندسية الثقيلة مثل جرافات "دي 9".
وضمن جولة الصحف العربية الصادرة اليوم:
تساءلت صحيفة "الخليج" الإماراتية "هل فعلاً تتجه المنطقة نحو هدوء وسلام أياً كانت نتيجة الحروب الحالية؟"، لتؤكد، وفق رؤيتها، أن "الشرق الأوسط لن يكون، بعد فترة وجيزة مثلما كان قبل أكثر من عام، لكن من الصعب القول إنه سيكون أكثر هدوءاً وأقل عنفاً وأفضل بشكل عام.. لأن استمرار الاحتلال سيعني استمرار المقاومة".
من جهتها، اعتبرت صحيفة "الدستور" الأردنية أن "جرائم المستعمرة مستمرة، ولا مصلحة لدى نتنياهو لوقفها، وهو الذي أحبط كافة مبادرات التوسط لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، لأن ذلك سينقل فشله إلى الإقرار بالهزيمة، وسينقل الصمود الفلسطيني نحو خطوة الانتصار"، مشددة على أن وزير الخارجية الأميركي "لن ينجح في التوصل إلى أية صيغة اتفاق وهو حريص على بقاء المستعمرة قوية وقادرة على الإيذاء مهما ارتكبت من جرائم وحماقات".
أما صحيفة "عكاظ" السعودية، فتناولت تصريحات المسؤولين الايرانيين في ما يتعلق بلبنان والجزر الاماراتية الثلاث وملف استقلال البحرين، حيث أشارت إلى أنه "يجب على إيران أن تعيد النظر في سياساتها الخارجية وأن تتجنّب أخطاء الماضي. فاستمرارها في النهج ذاته سيعود بالسلب على الشعب الإيراني قبل أي أحد آخر".
وفي سياق متصل، سلطت صحيفة "أصوات" المغربية الضوء على المواقف الالمانية الداعمة لاسرائيل وآخرها ما ورد على لسان وزير خارجيتها والذي وصفته بـ"الكلام الصادم والمقزز الذي يعرِّيها من إنسانيتها ومروءتها وأخلاقها".وأضافت: "مع ذلك كان وقع كلامها سيكون أقل لو أنه صدر في سياق سلمي بعيد عن الإبادة الحالية التي ترتكبها إسرائيل في غزّة".
ووفق صحيفة "الوطن" البحرينية، فإن "التجارب تُثبت على مرّ الزمن أن البقاء دائماً للكيانات الرسمية المعترف بها ومهما عاثت الميليشيات والأحزاب والتنظيمات خراباً"، لافتة الى أن "باريس الشرق، بيروت، هي أوضح الأمثلة على ما كانت عليه من منارة للعمل والرقي والتطور وباتت الآن تعاني الويلات لعدة أسباب من أهمها بل من أولها هي السماح ببناء دولة داخل الدولة".
بدورها، علقت صحيفة "الشروق" المصرية على الاحداث الجارية في لبنان، اذ قالت: "بعد 18 عامًا على صدور 1701 الذي لم يرض عنه "حزب الله" ولا إيران، صار تطبيقه حلماً" وسط مساعي للحفاظ عليه، مستشهدة بكلام (الأمين العام للجامعة العربية أحمد) أبو الغيط "الذي عبّر عن هذا الموقف العربي الصلب لوجود مخاوف لدى العرب والأمانة العامة للجامعة من التحركات الأمريكية-الإسرائيلية التي تريد إدخال تعديلات عليه".
وتطرقت صحيفة "الراي" الكويتية إلى مسار الحرب في لبنان والمساعي الاميركية للتهدئة، حيث اعتبرت أن "نتنياهو هدم الفرصة الضئيلة التي تحاول معها واشنطن ردم الفجوة السحيقة في الطريق إلى وقفٍ قريب لـ "حرب لبنان الثالثة" قبل أن تتحوّل "ثقباً أسود" يمكن أن يبتلع المنطقة برمّتها، على حدّ قولها.
(رصد "عروبة 22")