وجهات نظر

هل الإبادة الجماعية والاغتيالات "وصايا تلمودية"؟

بعد استشهاد يحيى السّنوار وحسن نصر الله، تزاحم كثير من الآراء حول الما بعد، وتضارب عدد من المواقف حول منزلة الرّجلين في مقام القيادة والزّعامة. لم يكن هذا التضارب الذي بلغ حدّ التّناقض في تقييم طبيعة المسؤولية التّي تحمّلها الرّجلان عربيًا فقط، بل كان دوليًا أيضًا. وكلّ هذه الآراء لا تخلو من أن تكون إمّا محكومة بتحيّز ديني أو طائفي أو قرائبي.

هل الإبادة الجماعية والاغتيالات

بمعنى آخر أن الخلفية التي تضبط الحرب والاغتيالات هي انفجار للمكبوت العقدي والعرقي الذي حاول إنسان الثّقافة أن يخفيه لقرون خلت بموجب ضابط حضاري حاكم للمجتمع الإنساني. كأنّ العالم، بمختلف مواقفه، يلخص باعتداء الكيان على غزّة حالة ذهنية تعبّر عن مخيال غضبي بهيمي ينتصر لرابطة الدّم وللعصبية القبائلية. يحدث هذا في قمّة التطوّر التّكنولوجي الذي أحدث ثورة مجتمعية عميقة أُفْتُرِض فيها أن تكون مُؤهّلة لإنسان مختلف، يقطع مع أي حالة ذهنية نكوصية مُحتميًا بمبدأ التجاور الكوني وفقًا للقوانين والمواثيق الدّولية المسنونة.

إنها إبادة عرقية ضدّ العرب ودينية ضدّ الإسلام

كان من المفترض أن تكون ثنائية القوانين الدّولية والثّورة التّكنولوجية مدخلًا لإنسانية جامعة يَتَسَيّد فيها عالم لا قاهر فيه ولا مقهور ويَعُمّ فيه رفاه الإنسان. والحال هذه، تحوّلت هذه الثّنائية كمينًا مدمّرًا أحكمت نصبه أمريكا وإسرائيل لممارسة أبشع إبادة عرقية في التاريخ ضد شعب غزّة ولبنان.

إنّها كناية عن إبادة عرقية ضدّ العرب ودينية ضدّ الإسلام، بما يكشف أنّ عدوان الكيان الإسرائيلي لا يمارس هذه الحرب دفاعًا عن النّفس كما يوهم الغرب الذي صدّقه كثير من دوله، وإنّما دفاعًا عن تعصب لهوية يتخيّلها مطلقة وعابرة للقارّات، وهذا ما عبّر عنه بوش الابن حينما وصف الحرب ضدّ العراق والإرهاب بالحرب الصّليبية، وهي كلمة تحمل دلالة نكوصية تعيد إلى المخيال ما يعتبر صدمة تاريخية بالنسبة للعالم الإسلامي الذي تمّ حصاره بوحشية في الحملات الصّليبية التي قادتها أوروبا في العصور الوسطى. يرتبط هذا الكلام المبني من داخل قناعات خفيّة، بما سعى إليه إيتمار بن غفير في إقناع المجتمع الإسرائيلي ويهود العالم بأنّ الحرب ضدّ غزة هي حرب دينية تعتمد أصولًا تلمودية بهدف تطبيق نصوصها على المسجد الأقصى لبناء الهيكل الموهوم.

لم يكن الخطاب الديني الإسرائيلي الأخير مجرد تعبئة وإلهاب مشاعر الجنود الإسرائيليين فقط، وإنّما كان ثيولوجيا بمرجعية إقصائية لتسويغ إرادة الإبادة الجماعية والجنوح إلى أسلوب الاغتيال الذي لا يعدّ من أخلاقيات الحرب وشرف البطولة. هذا ما عمد إليه نتنياهو وهو يقول في خطاب 25 تشرين الأول الماضي، استحضارًا لما يُسمّى "نبوءة إشعياء": "نحن أبناء النّور بينما هم أبناء الظّلام. وسينتصر النّور على الظّلام... سنحقّق نبوءة إشعياء، لن تسمعوا بعد الآن عن الخراب في أرضكم".

الهويّة اليهودية المطلقة ساعية إلى طمس الكيان العربي وتفتيته

إنّ اختيار أسلوب الاغتيال الفردي بالإضافة إلى كونه سياسيًا، يدخل ضمن العقيدة اليهودية التي أشار إليها نتنياهو بقوله: "يجب أن تتذكّروا ما فعله عماليق بكم". وعماليق تعني في سفر صموئيل الأوّل قبيلة ترمز إلى الشرّ المادي والروحي متجسّدًا في رجالها ونسائها وأطفالها، ومن واجب اليهود إبادتها بالبدء أولًا بعزل قادتها واغتيالهم واحدًا تلو الآخر لزعزعة كيانها، ومن ثمّة سهولة إبادتها.

من هاهنا تأخذ دلالة الإبادة الجماعية واعتماد أسلوب الاغتيالات تسويغهما الثيولوجي المتحيّز الذي لا ينظر إلى مسألة الصراع نظرة سياسية أو تموقعًا جيواستراتيجيًا يرتبط بالمنافع المادية فحسب، وإنّما ينظر إليها نظرة دينية وعرقية تنتصر إلى الهويّة اليهودية المطلقة السّاعية إلى طمس الكيان العربي وتفتيته.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن