تتجه الأنظار اليوم الى تل أبيب التي تشهد حراكاً متسارعاً يقوده الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، بعد تأجيل زيارته التي كانت متوقعة يوم الاثنين الى إسرائيل، وسط آمال ينشدها لبنان بأن تكون كقارب نجاة قبل غرق البنيان بأكمله نتيجة الحرب الشعواء التي يشنها الاحتلال الاسرائيلي الذي يعمد الى التدمير الممنهج وعمليات الاغتيال الدقيقة وتوسيع رقعة استهدافاته داخل الأراضي اللبنانية بالتزامن مع انذارات الإخلاء والتهجير والنزوح الكثيف.
وفجأة، ومن دون معرفة حقيقة الأسباب أو القطبة المخفية، ارتفع منسوب التفاؤل بقرب التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار في لبنان وتحضير الأرضية لمسار ديبلوماسي تفاوضي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تركز عناوينه الرئيسية على القرار الدولي 1701، منع "حزب الله" من التسلح، انتشار الجيش اللبناني في جنوب لبنان الى جانب قوات "اليونيفيل" مع حصول مراقبة شديدة برياً وبحرياً لكل عمليات استيراد الأسلحة.
وتوالت التسريبات الاسرائيلية "المُبشرة" بقرب الوصول الى حل والاعلان عنه حتى قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهذا ما عكسته مقابلة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الذي أعرب عن "تفاؤل حذر". وكانت القناة 13 الإسرائيلية، أوردت بأن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين كبار حققوا تقدمًا كبيرًا في جهود التوصل إلى تسوية في لبنان، حيث تتركز المساعي على صياغة اتفاق ينهي الصراع القائم.
بالتزامن، أشارت "هيئة البث الإسرائيليّة" إلى أن هوكشتاين يعمل حاليًا على صياغة مسودة اتفاق بين إسرائيل ولبنان، تتعلق بوقف العمليات العسكرية في المنطقة، متوقعة بأن يتم إنجاز الاتفاق خلال الأيام المقبلة. ويأتي ذلك على وقع تجديد وزارة الخارجية الأميركية دعم إسرائيل "في ضرب أهداف مشروعة لـ"حزب الله" لكن بطريقة لا تُهدّد حياة المدنيين". وقالت: "الجيش الإسرائيلي حقق تقدمًا كبيرًا في ضرب مواقع الحزب والقضاء على بنيته التحتية، وواشنطن تريد حلّ الصراع عبر الوسائل الديبلوماسيّة وألا يكون حملةً مطولة مثل غزّة".
ونشر موقع "أكسيوس" مسودة "نص الاتفاق" الذي يقضي بإعلان وقف إطلاق نار تتبعه فترة انتقالية لمدة 60 يوماً. وبحسب الموقع فإن نص الإتفاق "مبني على إعادة تطبيق القرار الدولي 1701، كما سينقل "حزب الله" أسلحته الثقيلة شمال الليطاني بعيداً عن حدود إسرائيل خلال الفترة الانتقالية التي سينتشر فيها الجيش اللبناني بنحو 8 آلاف جندي على طول الحدود، في حين سيسحب جيش الاحتلال قواته تدريجياً".
وفي أول كلمة مسجلة له بعيد تنصيبه أميناً عاماً لـ"حزب الله"، قال نعيم قاسم "لن نستجدي وقف النار وسنُوقف الحرب مع إسرائيل بشروطنا". واذ جدد منح رئيس مجلس النواب نبيه برّي "صك" التفاوض، أكد أنه "حتى الآن لا يوجد اقتراح تقبله إسرائيل حتى يتمّ عرضه علينا لمناقشته". واستفاض قاسم بشرح "حرب المساندة" والدفاع عن ايران رافضاً كل مقولات تدخلها في الشأن الداخلي اللبناني "لا نقاتل نيابة عن أحد ولا نيابة عن مشروع أحد، بل مشروعنا هو حماية لبنان وتحرير الأرض ومؤازرة أخواننا في فلسطين"، على حدّ تعبيره.
ومن السياسة الى الميدان المشتعل، حيث شهدت المعارك منحى تصاعدياً بعدما عمد "حزب الله" إلى تنفيذ عدّة هجمات في العمق الاسرائيلي استهدفت مواقع حساسة داخل الأراضي المحتلة. كما قصف تجمعات لجنود الاحتلال في مواقع عدة مع احتدام المعارك البريّة. وأعلن عن تصديه لطائرات مسيّرة إسرائيلية في أجواء الزهراني والخيام.
بدوره، واصل الاحتلال الإسرائيلي غاراته الجويّة العنيفة على طول الأراضي اللبنانية، مستهدفًا مدينة النبطية والبلدات المجاورة لها ما تسبب في تدمير عدة مبانٍ سكنية، إضافةً إلى قصف بلدة الخيام الحدودية بثلاثة عشر غارة متتالية. أما الحصة الأكبر فكانت لمدينة "الشمس"، بعلبك، بعد أوامر الإخلاء لأحياء سكنية كاملة ما أدى إلى حركة نزوح كثيفة تزايدت معها الضغوط على مراكز الإيواء في المناطق المجاورة.
وفي سياق متصل، يكثّف الاحتلال من مطاردة عناصر "حزب الله" وقطع طرق إمداده بالسلاح، وبدا ذلك جلياً من خلال استمرار سيناريو استهداف السيارات والمركبات، كما حدث أمس في عاريا - الكحالة ومنطقة بشامون (للمرة الأولى) وصولاً الى بلدة القماطية في قضاء عاليه.
أما المشهد الانساني في غزّة، فلم يختلف لجهة استمرار حرب الإبادة الجماعيّة في شمال القطاع منذ بداية الشهر الحالي. وغداة المجازر التي حصدت أرواح العشرات من المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء، أعلنت بلدية بيت لاهيا، المدينة منكوبة جراء الحصار وأطلقت نداء استغاثة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، راسمة مشهداً مأساوياً قاتماً حيث أوضحت أن المدينة أصبحت "بلا طعام ومياه ومستشفيات وإسعافات ودفاع مدني وأطباء وخدمات صرف صحي ونفايات واتصالات".
وفي جديد المشاورات، انطلق في الرياض، أمس، اجتماع "التحالف العالمي لحل الدولتين"، الذي دشنته السعودية بحضور 90 دولة. وعلى هامش الاجتماع اعتبر وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أنه "يشكل خطوة أولى نحو حلّ إنهاء أزمة فلسطين، ووقف فوري لإطلاق النار". هذا ودعت السعودية إلى عقد قمة متابعة عربية إسلامية مشتركة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، بشأن غزة ولبنان وتطورات الأوضاع الراهنة في المنطقة.
من جهة آخرى، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه يعمل على تشكيل فرقة جديدة عند الحدود مع الأردن لـ"حماية الحدود الشرقية" لإسرائيل. وعقب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هليفي على هذا القرار، معتبراً أن "تعزيز الدفاع على الحدود بشكل عام والحدود الشرقية بشكل خاص كان هدفاً قبل الحرب، وعلى ضوء 7 تشرين الأول/أكتوبر والأحداث الأخيرة أصبح يتخذ تأثيراً مختلفاً".
وفي ما يلي أبرز ما أوردته الصحف العربية الصادرة اليوم التي لا زالت تتناول تداعيات قرار حظر "الأونروا" إلى جانب الصراع العربي - الإسرائيلي، وما يجري ضمناً في غزّة ولبنان:
تناولت صحيفة "الخليج" الإماراتية قرار الكنيست بحظر وكالة "الأونروا" الذي "يتعارض بالمطلق مع الإلتزامات التي تم على أساسها قبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة، ما يشكل تحدياً حقيقياً للمنظمة الدولية والعالم إزاء دولة تزدري القانون الدولي والإنساني والميثاق الذي ارتضاه العالم أساساً للعلاقات الدولية"، داعية إلى ضرورة إتخاذ "قرارات تتجاوز التنديد والاستنكار، باعتبار أننا أمام دولة خارجة عن الإجماع الدولي".
وفي الإطار نفسه، اعتبرت صحيفة "الراية" القطرية أنه "لنْ تُفلح كل هذه الحرب القذرة التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ضد الأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية خاصة وكالة "الأونروا"، في ترهيب العالم والمنظمات الدولية من الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني المنكوب". وقالت: "التحريض الإسرائيلي هدفه منع أي تعاطف دولي مع الفلسطينيين، الذين يواجهون آلة إجرام بشعةً، تسعى لاجتثاثهم من أرضهم وتجويعهم وتشريدهم".
أما صحيفة "القدس"، فشددت على أن قرار حظر "الأونروا" "هدفه شطب قضية اللاجئين، وشطب عنوان الأمم المتحدة ووكالتها، وإخراجها عن سياق العمل لشطب نصف الشعب الفلسطيني، نصف قضيته، واستثمار الوضع غير المستقر، بالحرب والجرائم التي تقترفها قوات الاحتلال على كافة المستويات"، مؤكدة أنه "لن يسلم من شرهم: أهالي القدس، والضفة الفلسطينية، وحتى فلسطينيي مناطق عام 1948 وخاصة الآن أهالي النقب وتدمير قراهم ومساكنهم، بهدف شطب الشعب الفلسطيني وتشريده وقتله بشكل تدريجي متعمد".
بدورها، طالبت صحيفة "الرياض" السعودية العالم بأن "يقف في وجه العدوان الاسرائيلي الذي امتد من غزّة إلى لبنان مما يحدث فوضى ومآسٍ وفظاعات إنسانية يندى لها الجبين"، متسائلة "هل حان الوقت لشعوب المنطقة الالتفات للتنمية والإعمار وتنمية الإنسان، وخلق حالة من التوازن والاستقرار في المنطقة من خلال منح الحقوق للفلسطينيين؟".
ولفتت صحيفة "عُمان" العمانية إلى أن "الحرب الإسرائيلية التي شنّت على غزة بعد طوفان الأقصى، لم تستطع أن تقضي على "حماس" وبقية المقاومة، لكن كما يبدو هدف هذه الحرب هو الانتقام من الأبرياء الذين واجهوا حرباً بربرية ظالمة"، مستنتجة أن "الطلب الملحّ أصبح الإسراع في عملية التبادل مع وقف إطلاق النار في غزة ووقف الحرب في لبنان بشروط متكافئة".
من جهتها، شددت صحيفة "الأهرام" المصرية على أن "مصدر الصراع الأصيل في المنطقة هو الصراع العربي -الإسرائيلي الذي فاق القرن عمرًا، ومازال مرشحًا للاستمرار عقودًا قادمة". وأضافت: "ولذلك فإن أي محاولة لإقناعنا بأن الحرب الجارية فى الشرق الأوسط هي حرب إيرانية - إسرائيلية هي محاولة بلا أساس، هدفها الرئيسي أن تحرفنا عن بوصلتنا الأصلية التي تتمثل بضرورة الانتباه للمخاطر المرتبطة بالمشروع الصهيوني التوسعي، والتي ستتجاوز فلسطين والأردن ولبنان وسوريا ومصر بكثير إلى الوطن العربي كله".
وبحسب صحيفة "الراي" الكويتية، فإن "الأحداث المتسارعة التي هزّت لبنان أمس، في أكثر من منطقة وكأنها تدشين لمرحلة توصف بأنها الأكثر حراجة في "الحرب الثالثة" التي بدأت قبل 38 يوماً وتشي بأن وقفها سيمرّ بمخاض قبل إزالة "غبار المناورات" عن طاولة القرار 1701 وملحقاته التي تبقى الإطار الوحيد لتفاوض لن يأخذ زخمه إلا في أعقاب الثلاثاء الرئاسي في الولايات المتحدة، إما في الأسابيع الفاصلة عن التسليم والتسلّم بين جو بايدن وخلَفه وإما بعد التنصيب"، وفق قولها.
(رصد "عروبة 22")