اقتصاد ومال

الاقتصاد العربي وتأثيرات التطورات الدولية

تؤثر التطورات الاقتصادیة الدولیة على الأداء الاقتصادي في الدول العربیة، فلقد انعكست الحرب الروسیة الأوكرانیة والتطورات في غزّة ولبنان وإسرائيل وإيران بشكل كبیر، على أداء اقتصادات الدول العربیة، من حیث تأثیرھا على أسعار النفط والغاز، وكذلك على أسعار السلع الغذائیة وعلى الأمن الغذائي في الدول العربية، كما أنّ تراجع نمو الاقتصاد الصیني، أكبر مستورد للنفط بالعالم والذي له روابط تجاریة مع معظم الدول العربیة، كان له آثار على أداء اقتصادات الدول العربیة، كذلك الأمر بالنسية إلى موجة التضخم العالمي التي لحقت باقتصادات العالم النامي والمتقدم على حد سواء، ومن ثم انتھاج سیاسات نقدیة متشددة انعكست ھي الأخرى على الدول العربیة، إلا أنّ تلك الانعكاسات تختلف درجة تأثیرھا واتجاه هذا التأثير في اقتصادات الدول العربیة، وفق التقرير الاقتصادي العربي الموحّد 2023.

الاقتصاد العربي وتأثيرات التطورات الدولية

لعل من أسباب ذلك إختلاف الھیاكل الإنتاجیة للدول العربیة، ومن ثم اختلاف إتجاه التأثیر لارتفاع أسعار النفط والغاز، ففي الوقت الذي استفادت فیه الدول المصدّرة للنفط من الارتفاع الكبیر في أسعاره والتي اقتربت من نحو 45%، تأثرت سلبًا الدول العربیة المستوردة للنفط، وھذا التغیّر في أسعار النفط كان له تأثیر مزدوج، فلم یقتصر تأثیره على معدل نمو الناتج أو وضع المیزان التجاري فحسب، بل تعداه لدوره في إتاحة حيّز مالي یسمح للدول النفطیة بالابقاء على برامج التحفیز المالي لاقتصاداتھا بل زیادتھا في بعض الدول، في حین قیّد من قدرة الدول المستوردة للنفط حتى على الوفاء بالبرامج التحفیزیة التي وضعتھا بالفعل.

إذًا انعكست التطورات الاقتصادیة الدولیة على الدول العربیة، أولًا، الدول المصدرة للنفط، وتشمل: الجزائر، والبحرین، والعراق، والكویت، ولیبیا، وعمان، وقطر، والسعودیة، والإمارات، والیمن. وثانیًا، الدول المستوردة الصافیة للنفط وھي الدول التي قد یكون لدیھا إنتاج من النفط إلا أنه لا یكفي احتیاجاتھا منه، مما یجعلھا تغطي باقي احتیاجاتھا عن طریق الاستیراد، وتشمل كلًا من جیبوتي، ومصر، والأردن، ولبنان، وموریتانیا، والمغرب، والصومال، والسودان ، وسوریا، وتونس، وجزر القمر، وفلسطین.

الدول المستوردة الصافیة للنفط واجھت عدة تحدیات أثّرت بالسلب على أدائھا الاقتصادي

وفيما يتعلق بالنمو الاقتصادي بالنسبة للدول العربیة المصدّرة للنفط، فبالرغم من تراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي، وتراجع النمو في الاقتصاد الصیني، أكبر مستورد للنفط في العالم، إلا أنّ ھناك عدة عوامل أدت لتحقیق تلك المجموعة معدل نمو اقتصادي مرتفعًا في هذه الفترة، یأتي في مقدمتھا تخفیف القیود المفروضة بسبب جائحة كوفید-19، والتطورات الإیجابیة في سوق الھیدروكربونات (النفط والغاز)، حیث إنها استفادت بشكل كبیر من تحوّل مسار التجارة نتیجة للحرب الروسیة الأوكرانیة، حیث سعت دول أوروبا إلى إیجاد بدیل لمشتریاتھا النفطیة من روسیا.

كما أنّ ارتفاع أسعار النفط والغاز ساھم بشكل كبیر في تحسّن معدل نموھا، خاصة أنّ تلك المجموعة لا تزال تعتمد اعتمادًا كبیرًا على صادرات النفط والغاز، إذ تزید نسبتھا على 70% من إجمالي الصادرات السلعیة في الكویت وقطر والسعودیة وعُمان، وعلى العائدات النفطیة التي تتعدى 70% من إجمالي الإیرادات الحكومیة في الكویت وقطر وعُمان والبحرین، أما الدول المستوردة الصافیة للنفط، فقد واجھت عدة تحدیات أثّرت بالسلب على أدائھا الاقتصادي، من ذلك ارتفاع فاتورة وارداتھا من النفط، في ظل ارتفاع أسعاره، وتراجع الطلب على وارداتھا من أھم الشركاء التجاریین، بشكل خاص دول أوروبا، وأمريكا، والصین، بالإضافة إلى تراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي وارتفاع فاتورة وارداتھا من السلع الغذائیة.

معدلات البطالة بین سكان العالم العربي سجلت نسبة ھي الأعلى عالميًا

وفيما يتعلق بالبطالة، تواجه الدول العربیة معدلات مرتفعة للبطالة، فوفقًا لتقریر اللجنة الاقتصادیة والاجتماعیة لغربي آسیا فإنّ معدلات البطالة بین سكان العالم العربي سجلت نسبة ھي الأعلى عالميًا، وبلغت 12.3% بین النساء العربیات، مقارنةً بالمتوسط العالمي البالغ6 %، وترتفع ھذه النسبة إلى 44% بین الشابات اللاتي تتراوح أعمارھن بین 15 و 24 سنة، وكانت فئات الشباب والعمال ذوي المھارات المتدنیة والنساء من أكثر الفئات تضررًا بحیث تتجاوز نسبة 20% في نحو خمس دول عربیة، كما أنھا تتكوّن من رقمین في باقي الدول العربیة باستثناء دول مجلس التعاون لدول الخلیج العربیة ومصر، وھذا ما ینعكس على ارتفاع مستویات الفقر في العالم العربي.

وفي الختام، فقد حدث نشاط نسبي في عملیة التوظيف، وذلك في ظل النشاط النسبي لاقتصادات الدول العربیة في ضوء إنھاء عملیات الإغلاق وعودة السیاحة نسبیًا ومن ثم النشاط في بعض القطاعات كالفنادق والمطاعم والقطاع الخدمي بشكل عام، وھي القطاعات التي تعتمد أكثر من غیرھا على توظیف حصص أعلى من الشباب والنساء وذوي المھارات المحدودة، كما أنّ ھناك مؤشرات على أنّ النشاط الاقتصادي بالمنطقة یُعد محفزًا للتشغیل، فیشیر مؤشر مدیري المشتریات إلى استمرار النمو غیر النفطي في الدول العربیة النفطیة خاصة قطر والسعودیة والإمارات، وكذلك مواصلة توسع الإنتاج الصناعي في مصر والأردن والسعودیة وفلسطین.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن