دخل الشغور الرئاسي عامه الثالث في لبنان. رغم أن هذا الأمر لم يعد غريبًا في السياسة اللبنانية، كما دلت استحقاقات رئاسية في الماضي، ومع الشغور صارت السلطة التنفيذية في يد حكومة تصريف أعمال. يحصل ذلك في وقت لبنان بأمس الحاجة فيه إلى انتظام السلطات والانتهاء من الفراغ المستمر والمدمر. ما زاد من مخاطر هذا الوضع أن لبنان كان يعاني من مسار انهيار متسارع في أوضاعه الاقتصادية مع تداعيات ذلك في السياسة وفي الاجتماع قبل الحرب الإسرائيلية. وزادت هذه الحرب المفتوحة والمتصاعدة في الزمان والمكان، كما صار واضحًا، من المخاطر والتحديات بعد أن تحولت الأولوية الإسرائيلية في الحرب في عامها الثاني من غزة إلى لبنان.
تتحكم بالسياسة في لبنان، لدرجة كبيرة، قدرية سياسية، قوامها أنه في الأزمات الكبرى والمستعصية كما يبدو على حل "صنع في لبنان" يأتي الحل من تفاهم الخارج. حل يرتبط بالتوازنات التي تنتج عن تفاهمات يتم التوصل إليها عند حلول لحظة التعب أو انسداد الأفق المكلف للجميع من اللاعبين الخارجيين. فيذهبون عند حلول تلك اللحظة نحو التسوية لإعادة إعمال وتفعيل السلطة وملء الفراغ الرئاسي متى كان قائمًا.
ينعكس ذلك الاتفاق الخارجي بين أصدقاء وحلفاء الأطراف المتصارعة أو المختلفة في لبنان، في القيام بالخطوات الدستورية المعروفة من الأطراف الداخلية، بعد ظهور "الضوء الأخضر"، مثل انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة وفاق وطني. هنالك جدل وخلاف مباشر أو غير مباشر، لكنه غير مخفي بين من يدعو من جهة إلى الإسراع إلى الانتخاب، والإسراع لا يعني التسرع ولكنه لا يعني أيضًا الهروب إلى الأمام، وبين من يدعو من جهة أخرى إلى انتظار حصول وقف إطلاق النار، للذهاب نحو ملء الفراغ المدمر.
ويرى بعض المراقبين أن ذلك مرده إلى لعبة توازن القوى في اللحظة المطلوبة للانتخاب. توازن قد يراه أو يراهن على رؤيته كل طرف أنه قد يكون لمصلحته في "الموعد المختار" لملء الفراغ، بسبب التوازنات الخارجية والداخلية الحاكمة في تلك اللحظة.
إن المطلوب ليس الصراع حول ما يأتي أولًا أو تحديدًا حول ترتيب الأولويات، وخلق تناقض مصطنع بينها بل الاقتناع أن المطلوب وطني وفي سبيل إنقاذ لبنان من الانهيار الكلي هو التوافق الفعلي، وليس الشكلي، على ما يلي: المضي فى المسارين بشكل متواز: مسار الانتخاب ومسار العمل الدبلوماسي الخارجي للتوصل إلى وقف إطلاق النار بشكل كلي ووقف العدوان الإسرائيلي على لبنان.
فانتظام السلطة في هذه المرحلة الخطيرة والدقيقة، حيث الوقت عدو أساسي لهذا الهدف الوطني، أمر أكثر من ضروري. وللتذكير إن المناكفة السياسية التقليدية أمام هذا الاستحقاق لا يمكن أن تخضع هذه المرة، أيًا كانت العناوين التي ترفع هنا وهناك، لمنطق تقاسم قالب حلوى السلطة بمنافعها السياسية وغيرها. المطلوب اليوم انتخاب رئيس توافقي يطمئن الجميع. رئيس لا يمكن أن يكون طرفا طالما المطلوب منه قيادة "سفينة" الإنقاذ الوطني مع "حكومة مهمة" التي يفترض تشكيلها في البداية للمضي في مواجهة التحديات المختلفة والمترابطة في الداخل من جهة والانطلاق من جهة أخرى في تحرك خارجي مبادر وناشط للإسهام في معالجة التحديات الخارجية والتي لها تداعيات كبيرة على لبنان.
ذلك كله، وللتذكير، يسهم بشكل أفضل وأكثر فعالية بسبب الخروج من حالة الفراغ القاتل في المسار الآخر: مسار التوصل إلى الوقف الكلي لإطلاق النار. فالانتظار يعني عمليًا المزيد من الانهيار.
(الشروق المصرية)