لعبة الأمم بالمنطقة

القول بأن الحرب بين إيران وإسرائيل مجرد مسرحية، قول ساذج ومخل ويتجاهل كل عناصر الصراع في طبيعته وأهدافه وهناك جدل يذهب بعضه يمينًا، فيرى تلك العلاقة مسرحية مكشوفة ظاهرها العداء وخلف كواليسها التعاون والانسجام، بل تصل لحالة ودية تجمع النظامَين: الإيراني والإسرائيلي، والآخر يذهب يسارًا فيراها علاقة عداء صفرية لا يقبل أحدهما بوجود الآخر أبدًا.

والمحزن أن الأحداث تحولت بشكل مثير للدهشة، واتجهت الأنظار إلى لبنان وإيران بدلاً من قطاع غزة، رغم أن هذا الأخير يعاني القصف الإسرائيلي علاوة عن المجاعة والأمراض المتفشية وهناك من يرى أن إيران دولة تسعى لمصالحها بهُوية مختلفة ومصالح "مشروعة"، وفي حدود مقبولة يمكن التفاوض حولها. بعد أن بات العرب وعالمهم الممتد من المحيط إلى الخليج والذي يعيش فيه ما يفوق 400 مليون عربي هم الفراغ المشترك الذي يتصارع فيه الجميع، هم الأمة التي تطير الصواريخ والطائرات فوق رؤوسهم وتسقط شظاياها عليهم.

ذلك أن الحرب والمواجهة المسلحة في المنطقة لم تعد مقتصرة على إسرائيل والدول العربية، وإنما بها عناصر غير عربية، فنحن تحولنا من صراع عربي - إسرائيلي إلى صراع إسرائيلي إقليمي وإيران مثل غيرها إسرائيل وأوروبا وأمريكا، وروسيا والصين، جميعها تخوض معاركها في تلك المنطقة المستباحة على جميع المستويات خاصة أن الأمة العربية ليست ممثلة بكيان سياسي يحمل رسالتها ومشروعها ويحمي مصالحها.

والسؤال: لماذا كرّر المسئولون الاسرائيليون كلامهم عن ضربة قاسية ومؤلمة ومفاجئة لايران، ليتبين أن طهران مستعدة بكامل دفاعاتها، فلم تأت الضربة لا مؤلمة ولا مفاجئة، ولا عميقة بل طالت مواقع سطحية بالكامل؟ والإجابة أن واشنطن سعت لفرملة الاندفاعة الإسرائيلية ضد إيران وهكذا توحي كل المعطيات بأن الضربة لم تكن "تمثيلية" بالكامل، بل إن طبيعتها وأهدافها كانت نتيجة خليط من الوقائع الجغرافية والقدرات الإيرانية من جهة، والدبلوماسية الامريكية التي مارست ضغوطاً لإجهاض أي توسّع للمواجهات، وأبلغت إيران عن الخطة مسبقاً.

لذلك جاءت دعوة واشنطن الإيرانيين والإسرائيليين للاكتفاء بما حصل ووقف المواجهة. ويمكن لإسرائيل الادعاء بأنها حققت وعيدها بالرد على إيران، ويمكن لطهران القول إنها أفشلت تل ابيب ومنعتها من تحقيق إنجاز نوعي، رغم حديث الايرانيين عن رغبتهم بالرد على الرد. وتعرف السياسة الإيرانية انها كلما ضايقت إيران إسرائيل كان الغرب أكثر رغبة في التوصل معها لاتفاق يقلل أو ينهي - إن أمكن- هذه المضايقات الإيرانيةِ لإسرائيل حتى تتمكن إسرائيل من تنفيذ الأهداف الاستعمارية لوجودها.

ثم إن العداء العقائدي لا يمنع إيران أن تلتقي مصلحتها إستراتيجيًا مع إسرائيل في بعض الأحيان، وربما هذا مفهوم ومبرر في المجال السياسي ويقال إن هناك موافقة غربية بالتغلغل الإيراني المتزايد في المنطقة عموما وسوريا خصوصا يسمح لإيران بالتمدد واستعداء العرب للتخفيف من العداء العربي لإسرائيل، فبدلا من أن تظل إسرائيل البعبع والعدو الوحيد للعرب في المنطقة، تتقاسم العداء مع إيران إذن هو صراع لكن في صيغة لعبة سياسية أدواتها هى الحروب والأمر المؤكد أن كل شيء تغير الآن، وإلى الأبد.

وعلى الإقليم العربي أن يعبر الجسر وحيدا، ويحمي وجوده بعيدا عن المتبارزين، ويكتب رسالته الجوهرية إلى العالم، وهي أن فلسطين قضية وطنية أولا، وعربية ثانيا، ومن حق وواجب أهلها الدفاع عنها، طبقا لكل الشرائع والقوانين الدولية التي صاغتها نفس القوى التي تحمي المعتدي، وتناور مع الطامحين في تخوم المنطقة.

(الأهرام المصرية)

يتم التصفح الآن